طبيعي جدا أن يبدو العنوان للكثيرين كلاما لا معنى له، لأن الغالبية بفعل الإعلام والدعاية المستمرة للسدود يتوهمون أن السدود هي التي ضمنت وما تزال وستبقى تضمن الماء للبشر على وجه الأرض.
المغارة في حدود فهم الغالبية هي مزار سياحي يستحق المغامرة بزيارتها، وقليل جدا من ذوي العقول الناضجة من يتساءلون ويبحثون كيف تشكلت تلك المغارات؟ وما هو دورها في الحياة؟
لا يمكن أن تكون تلك المغارات بلا قيمة ولا دور لها في الحياة، كما لا يوجد مخلوق على وجه الأرض مهما بدا تافها لا يقوم بدور مهم في الحياة واستمراريتها على وجه الأرض.
المغارة هي ممر خاص بالهواء وبخار الماء تشكل على مدار القرون والأزمنة يربط البحيرة الباطنية في باطن الأرض مع قمة جبل أو هضبة أو تشكل صخري، يمكن تشبيه المغارة بالأنف تماما، فهي تقوم بالنسبة للأرض بمهمة الأنف في جسم المخلوق الحي عامة.
لن أحتاج لتعريف السد فالجميع يعرفه وما يقوم به من أدوار، لكن الجميع تقريبا يجهل أن المغارة تقوم بتلقيح السحب لتمطر علينا المطر، كما تضمن تخزين الماء في باطن الأرض وتضمن توزيعه على مساحات شاسعة ومسافات بعيدة.
المغارة التي يتجاوز قطرها المترين كالتي حولت في أغلب دول المسلمين لمزارات سياحية هي في حقيقتها كنوز جيولوجية لا يمكن تقديرها بثمن، ويمكن أن أقدر قيمة كل مغارة من هذا النحو في حدود مائة مليار درهم على أقل تقدير، لأن ما تقوم به من مهمات ولزمن غير محدود لو أنفقنا المائة مليار درهم لا يمكن أن نقوم به على النحو الذي تقوم به المغارة.
المغارة المفتوحة تضمن حركة الماء وجريانه في باطن الأرض، حيث لا يمكنه أن يخرج من البحيرة الباطنية بدون مغارة مفتوحة تسمح بدخول الهواء للبحيرة الباطنية ليحل محل الماء الذي سيخرج منها، لذلك فالمغارات المغلقة في دول المسلمين هي السبب الرئيسي لشح الماء لكون الماء محبوس في باطن الأرض ولا يمكنه الحركة والخروج.
بالتجربة البسيطة يمكنك أن تشتري قارورة ماء صغيرة بدرهمين وتقوم بثقبها في أسفلها بإبرة وسترى أن الماء لا يمكنه الخروج من ذلك الثقب إلا لو عصرت القارورة، لكن بمجرد فتح سدادة القارورة سيخرج الماء من الثقب الصغير بقوة واندفاع.
فتح المغارات المغلقة في جبال وهضاب وصخور دول المسلمين، سيحل مشكلة شح الماء في غضون ساعات من الزمن، وهي عملية لن تكلف إلا ما يكفي لبناء سد متوسط واحد، لكن النتيجة ستكون تحقيق الماء للجميع جبلا وسهلا وهضابا وصحراء مدنا وقى توزيعا عادلا من الخالق الرزاق.
خروج الماء دقائق بعد زلزال الحوز عيونا جارية، بعد أن كان منعدما قبله هو نتيجة فتح الزلزال ولو جزئيا لبعض المغارات المغلقة، التي سمحت للهواء بالدخول لباطن الأرض ليسمح بدوره للماء بالخروج جاريا على سطح الأرض وفي العيون والآبار.
لا يمكن للماء أن يخرج من القارورة دون دخول الهواء إليها، بالمثل فإن الماء لا يمكنه أن يدخل للقارورة دون خروج الهواء منها، لذلك فإن دخول الماء لباطن الأرض مستحيل استحالة مطلقة ما لم تكن المغارات في الجبال والهضاب والصخور مفتوحة ليخرج منها الهواء فيحل الماء محله في البحيرات الباطنية أثناء جريان الأودية.
حين تجري الأودية بالماء، فإنها تجرف كل ما في قلب الأودية من
رمل وحصى وصخور وغيرها، لتصبح الأودية أكثر عمقا ومفتوحة نحو البحريات الباطنية في جميع المواقع التي فيها رمل وحصى في قلب الأودية، حيث تشكلت بلاعات عبر ملايين السنين بفعل ارتطام الصخور التي يحملها الماء بالطبقات الصخرية في قلب الأودية لحين احداث شقوق وثقوب فيها ينفذ منها الماء لباطن الأرض يغذي البحريات الباطنية.
يدرس للمهندسين في مجال الماء أن الأرض تمتص الماء لتخزنه، والحقيقة أن الأرض يستحيل استحالة مطلقة أن تمتص الماء، لأنها لو كانت تمتصه فعلا لما احتاج الناس لتقليب الأرض وانفاق مبالغ مهمة من أجل ذلك، ولما جرت الأودية بالماء، بل الرمل لا يمتص الماء إلا في حدود عمق متر واحد، ثم يتصلب ليصبح كالزجاج لا يسمح بعده بنفاذ الماء.
الأرض تبلع الماء ولا تمتصه، فالبلاعات التي تغذي البحيرات الباطنية بالماء أثناء جريان الأودية هي نوعين اثنين، أولها وأهمها البلاعات في قلب الأودية، شرحت أعلاه ما يسببها وهي بلاعات لا تشكل أي خطر على المخلوقات إلا من غرق في الوادي حيث يمكنه أن يختفي ولا يعلم له مصير، لكن بعد انتهاء جريان الوادي تتجمع الترسبات فوق تلك البلاعات لتغلقها وتحميها وتحمي المخلوقات منها.
النوع الثاني من البلاعات تكون في جنبات الأودية وهي لا تغذي البحيرات الباطنية إلا حين تفيض الأودية بالماء، وهي بلاعات خطيرة للغاية بعد مرور الأودية لأنها يمكن أن تبلع بكل سهولة من يتهور ويقترب منها، خاصة من لا يعرفها لكونها تعرف بالحفر التي في سطحها الناتجة عن انهيار الطمي للباطن ليشكل حوضا بعرض قطر البلاعة.
تشكل النوع الثاني من البلاعات بفعل الأشجار التي تنمو على جنبات الأودية، حيث تخترق عروقها الطبقات الصخرية الصلبة لتنهل من الماء الجاري تحتها، ومع مرور الزمن يوسع جدر الشجرة الثقب في الطبقة الصخرية بفعل المادة المذيبة للصخر التي تكون بعروق الأشجار الكبيرة، ومع مرور الزمن تموت الشجرة أو يجرفها الوادي ليبقى مكان جدرها قناة تضخ الماء نحو باطن الأرض أثناء جريان الوادي.
المغارات تكون في قمم الجبال والهضاب والصخور، وهي مواقع مرتفعة وقريبة نسبيا من مستوى السحب، في حين أن البحيرات الباطنية التي تتنفس من تلك المغارات واقعة في مستوى جد منخفض قد يكون تحت مستوى سطح البحر، لذلك فإن الهواء في عمق ألف متر أو ألفي متر وأكثر أحيانا يكون ساخنا بدرجة تزيد من 40 درجة مئوية خاصة في الليل، يخرج الهواء من المغارات محملا بالرطوبة من البحيرات الباطنية ليلا، تماما كما يخرج الهواء من فم وأنف الإنسان صباحا محملا بالرطوبة والحرارة، فيقوم ذلك الهواء بتلقيح السحب لتمطر على مستوى الجبال والهضاب أكثر من السهول والصحراء.
فتح المغارات المغلقة في الجبال والهضاب والصخور بدول المسلمين كفيل بضمان الماء وتوزيعه واستمطار السحب لتحويل دول المسلمين لمروج وأنهار جارية في أقل من أربعين سنة المقبلة إن شاء الله رب العالمين.