مجتمع

Labubu: من دمية غريبة إلى ظاهرة عالمية، كيف بدأت ولماذا يحبها الناس؟

The short URL of the present article is: https://gmedianews.ma/84zq

 في عالمٍ تُحدد فيه الخوارزميات ما نراه، وتُفرض فيه معايير الجمال من خلال صور مُعدّلة ووجوه مثالية، برزت ظاهرة تُربك الذوق العام وتكسر القوالب الجاهزة: دمية صغيرة تُدعى Labubu. مزيج من الجاذبية والغرابة، بريئة ومخيفة في آن واحد. انتشرت بشكل لافت بين المراهقين والبالغين، وأصبحت جزءًا من الثقافة الشعبية الحديثة رغم مظهرها الذي لا يُطمئن للوهلة الأولى. فما القصة الكاملة وراء هذه الدمية؟ ولماذا يتهافت الناس على اقتنائها؟ وهل هي مجرد موضة عابرة أم مرآة تعكس تحولات أعمق في وعينا وثقافتنا؟

1. أصول Labubu: من معرض فني إلى السوق العالمي

Labubu وُلدت من خيال الفنان الهونغ كونغي Kasing Lung، الذي بدأ رسم شخصيات خرافية منذ سنوات ضمن سلسلة قصص مصورة وفنية. Labubu هي إحدى هذه الشخصيات: مخلوق صغير بعينين كبيرتين، فم مليء بالأسنان البارزة، وأذنين طويلتين تُشبه الأرنب ولكن بمظهر أكثر شراسة وغرابة. في البداية، لم تكن دمية تجارية، بل شخصية رمزية تمثّل الغرابة والطفولة المشوهة التي أراد الفنان التعبير عنها. مع مرور الوقت، بدأ تعاون Kasing Lung مع شركة Pop Mart الصينية، والتي طورت الدمية إلى منتج قابل للبيع ضمن ما يُعرف بـ ‘Blind Box’ أو الصندوق الغامض. ومن هنا انطلقت Labubu إلى الأسواق العالمية.

2. كيف تحولت Labubu إلى ظاهرة؟

لم تكن الدمية في البداية سوى مشروعًا فنيًا محدود النطاق. لكن مع صعود الثقافة الرقمية وتوسع سوق المقتنيات النادرة، بدأ الناس ينجذبون إلى هذه الشخصية الغريبة. ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي مثل TikTok وInstagram في خلق شعبية مفاجئة لها. ظهرت الدمية في فيديوهات قصيرة، صور مضحكة، ميمات، وحتى محتوى ساخر. بدأ المؤثرون يعرضون مجموعاتهم منها، وصارت عنصرًا من عناصر الـ ‘Esthetic’ البديل — مزيج من الجمال القبيح والغرابة المحببة.

3. لماذا يحبها الناس؟

هنا يكمن السؤال الحقيقي: لماذا يُحب الناس شيئًا يبدو مخيفًا؟ الجواب ليس سطحيًا، بل يمتد إلى عمق النفس البشرية.

أ. كسر النمطية: نحن محاطون بالوجوه المثالية والدمى التقليدية. Labubu تأتي لتكسر هذا الإطار، تُعلن تمردها على الجمال النمطي وتُجسد فكرة أن ما هو غير مألوف قد يكون أكثر تعبيرًا.

ب. جاذبية الاختلاف: هناك نوع من الإعجاب اللاواعي بما هو غريب، لأنه يُحفّز فينا فضولًا بدائيًا. Labubu تُشبه الكوابيس الطفولية، لكنها الآن في يدنا، تحت سيطرتنا، ونضحك معها.

ج. شخصية حقيقية: بعكس الدمى العادية، Labubu تحمل ملامح تُشبه الشخصيات الواقعية: حزينة، ساخرة، خبيثة أحيانًا. هذه التعقيدات تجعل الناس يشعرون بأنها تمثل مشاعرهم الداخلية.

د. عنصر الندرة: كل إصدار جديد منها يأتي بتصميم مختلف ومحدود، ما يجعلها مرغوبة كمقتنيات نادرة، ويخلق نوعًا من ‘الإدمان’ على جمعها.

هـ. التعبير عن النفس: البعض يراها أداة للتعبير عن تمرده، غرابته، أو حسه الفني المختلف. مثلها مثل الوشوم أو الأزياء الغريبة، هي شكل من أشكال الهوية البصرية.

4. ما وراء Labubu: دلالة اجتماعية ونفسية

Labubu ليست مجرد موضة غريبة، بل هي انعكاس لواقع نفسي واجتماعي. إن انجذاب الناس إليها قد يدل على تحول في الذوق العام نحو قبول الهشاشة، القبح، الغرابة… لا كعيوب، بل كجزء من الهوية. في زمن تزداد فيه الضغوط النفسية، وتختلط فيه مشاعر القلق والاغتراب، تظهر Labubu كرمز مريح لواقع غير مثالي. هي صديقة الخائفين، ورفيقة المختلفين، ولسان حال من لا يجد ذاته في صور الإعلانات.

خاتمة

ربما لا نحب Labubu لأنها لطيفة، بل لأنها حقيقية بطريقتها الخاصة. ربما هي الوحش الصغير الذي يسكن داخل كل منا، نربيه ونتصالح معه حين نعجز عن التماهي مع عالم مزيف. هي ليست فقط دمية… بل تجربة، ورسالة، وحالة شعورية نعيشها. وفي النهاية، في عالم يزداد سطحية… تصبح الغرابة هي الصدق الوحيد.

The short URL of the present article is: https://gmedianews.ma/84zq

إيمان بوحزامة

About Author

اترك تعليقاً

اشترك معنا

    ننطلق من إيمان عميق بأن البيئة ليست مجرد إطار خارجي لحياتنا، بل هي امتداد لصحتنا النفسية والجسدية،

    جريدة إلكترونية مغربية شاملة، متخصصة في قضايا الفلاحة، التنمية القروية، البيئة… وكل ما يربط الإنسان بالأرض والطبيعة من حوله.

    Gmedianews @2023. All Rights Reserved.