جعل مهرجان القنيطرة في نسخته الأولى من المدينة محطة فنية استثنائية، بعد أن نجح في استقطاب أكثر من 750 ألف متفرج خلال أربعة أيام فقط، في سابقة لم تشهدها الجهة من قبل، مؤكداً بذلك أن القنيطرة تملك من المؤهلات التنظيمية والبشرية ما يخولها احتضان تظاهرات فنية كبرى ذات بُعد وطني وإشعاع متصاعد.
منذ اللحظات الأولى لليلة الافتتاح، بدا واضحاً أن المهرجان يتجاوز حدود العرض الموسيقي إلى استعادة الذاكرة الثقافية للمنطقة. العرض السيمفوني الذي مزج بين التراث الغرباوي الكلاسيكي وإيقاعات فرقة “أش كاين” أعاد للجمهور دفء الانتماء، فيما شهدت السهرات التالية تفاعلاً لافتاً مع أسماء بارزة مثل أمينوكس وحاتم عمور، حيث رُفعت قمصان النادي القنيطري في مشهد جسّد تمازج الهويّة الرياضية والثقافية. اليوم الثاني عرف صعود نجم الأغنية الشعبية الغربية، مع تألق كل من فريد القنيطري وعادل الميلودي، قبل أن يُتوّج الحفل بظهور “الغراندي طوطو” الذي حوّل ساحة محطة القطار إلى فضاء ضخم للهتاف والغناء الجماعي.



اللحظة الأبرز في هذا المسار جاءت في اليوم الثالث مع العودة المرتقبة للفنان سعد لمجرد إلى منصات المهرجانات المغربية، بعد غياب طويل. أمام جمهور قُدّر بـ320 ألف متفرج، صعد لمجرد إلى المنصة ليقدم عرضاً استثنائياً تُوّج بظهور مفاجئ للفنان “الحر”، في أداء مشترك لأغنية “حس بيا”، اعتُبر من طرف كثيرين ذروة الحدث ومفصلاً نوعياً في برمجة هذه الدورة. اليوم الختامي، بدوره، لم يكن أقل شأناً، إذ تحوّل إلى فضاء للاحتفاء بالطاقات الفنية المحلية، من فطوشي إلى عزيز مصباحي، مروراً بأمين سويكرا وياسين أصالة، في لحظات موسيقية منحت للأمسية الأخيرة نَفَساً مجتمعياً وإنسانياً مميزاً.





نجاح هذه الدورة لم يكن محصوراً في الجانب الفني، بل تجلّى أيضاً في مستوى عالٍ من التنسيق والتنظيم. عامل إقليم القنيطرة عبد الحميد المزيد لعب دوراً محورياً في تتبع جميع الترتيبات الميدانية، من ضبط الفضاءات وتسهيل حركة الجمهور، إلى ضمان جودة الخدمات والتجهيزات. وعلى المستوى الأمني، سجل حضور فعلي وميداني لوالي الأمن مصطفى الوجدي، الذي أشرف شخصياً على المتابعة الدقيقة للأوضاع، رفقة السلطات المحلية والقوات المساعدة التي أبانت عن جاهزية عالية واستباقية فعالة، ما سمح بإدارة الحشود دون حوادث تُذكر.



كما برز حضور الفرق الصحية، بتنسيق بين الوقاية المدنية والهلال الأحمر المغربي، لمواكبة الحالات الطارئة، خصوصاً حالات الإغماء أو الإرهاق الناتجة عن الزحام أو التفاعل المفرط مع العروض. مدير مستشفى الزموري بدوره تابع الوضع الصحي عن قرب طيلة أيام المهرجان، ضمن مقاربة استباقية ساهمت في تأمين الشق الطبي للحدث.




النجاح الفني والتنظيمي تُرجم أيضاً بإشعاع إعلامي واسع، حيث حظي المهرجان بتغطية من أكثر من 90 مؤسسة إعلامية وطنية، مكتوبة ورقمية، كما تصدرت فقراته محركات البحث ومنصات التواصل الاجتماعي، ليمنح للقنيطرة موقعاً جديداً على الخريطة الثقافية والسياحية في المغرب.
هذا الزخم خلق إجماعاً بين المتتبعين على أن المدينة باتت تملك نموذجاً فنياً وتنظيمياً مؤهلاً لأن يتحول إلى تقليد سنوي، ينعش الاقتصاد المحلي، ويرسّخ صورة القنيطرة كوجهة فنية واعدة ضمن الدينامية الثقافية الوطنية. ومن العناصر التي أسهمت في هذا النجاح اللافت، الحضور القوي لفرق النظافة، التي اشتغلت على مدار الساعة لتنظيف الساحات والفضاءات العمومية قبل وخلال وبعد كل سهرة، رغم الأعداد الهائلة من الحضور. وقد شكل عملهم بصمت وانضباط لوحة أخرى من لوحات الانتماء الجماعي والمسؤولية المجتمعية، حيث ساهموا في الحفاظ على نظافة المدينة وجعلها في مستوى الحدث، وهو ما نال تقدير الساكنة والزوار على حد سواء.
