أطلقت عمالة مكناس، يوم الجمعة 22 غشت 2025، أولى المشاورات الموسعة لإعداد برنامج التنمية الترابية المندمجة، في خطوة تنموية استراتيجية تهدف إلى بلورة رؤية متكاملة، تشاركية، ومواكِبة للتحولات المجالية والاجتماعية التي تعرفها الجهة، استجابة للتوجيهات الملكية السامية.
اللقاء الذي انعقد بمقر ملحقة العمالة، ترأسه والي جهة فاس-مكناس بالنيابة، السيد عبد الغني الصبار، بحضور الكاتب العام، ورؤساء المصالح الداخلية والخارجية، وممثلين عن المجالس المنتخبة، والمؤسسات العمومية، والهيئات المهنية، بالإضافة إلى الفاعلين الاقتصاديين ومكونات المجتمع المدني، وعلى رأسهم رئيس الفضاء الجمعوي للتنمية التشاركية. وقد عبّر الحضور عن التزامهم المشترك لإنجاح هذه الدينامية التنموية الجديدة.
من التوجيهات الملكية إلى ورشات التفعيل المحلي
استند الاجتماع إلى مضامين خطاب العرش الأخير الذي دعا إلى اعتماد جيل جديد من المخططات الترابية، تقوم على الاستباقية، والنجاعة، والعدالة المجالية. كما شكل مناسبة لتفعيل مقتضيات الدورية الوزارية المتعلقة بإعداد البرامج الإقليمية وفق مقاربة تشاركية، تضمن إشراك جميع المتدخلين في مختلف مراحل التشخيص والتخطيط والتنفيذ.
في هذا السياق، أكد السيد الوالي أن البرنامج المنتظر لا يمكن أن يكون تكراراً لتجارب سابقة محدودة الأثر، بل يجب أن يشكل قطيعة مع المقاربات التقليدية، وأن يتأسس على تشخيص واقعي ودقيق للحاجيات التنموية، خاصة في المناطق القروية والجبلية الهشة، وذلك بغية تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية.
الأولويات الأربعة: من التشغيل إلى تدبير الموارد
تم خلال الاجتماع التأكيد على أربع أولويات محورية تشكل مرتكزات البرنامج الجديد:
- تحفيز التشغيل المحلي من خلال تثمين المؤهلات الاقتصادية الترابية، وتطوير البيئة الجاذبة للاستثمار، وخلق فرص جديدة موجهة للشباب؛
- تحسين الخدمات الاجتماعية الأساسية، لا سيما في مجالي التعليم والصحة، لضمان كرامة المواطن وتعزيز المساواة في الولوج للخدمات؛
- إرساء حكامة مستدامة للموارد المائية، كخيار استراتيجي لمواجهة ندرة المياه والتغيرات المناخية، انسجاماً مع الأولويات الوطنية في هذا المجال؛
- إطلاق مشاريع التأهيل الترابي المندمج، التي تنسجم مع الأوراش الوطنية الكبرى وتستجيب لمتطلبات التنمية المحلية.
نحو نموذج تنموي قائم على الالتقائية والنجاعة
أبرز السيد الوالي أن نجاح البرنامج الإقليمي يقتضي الخروج من منطق العمل القطاعي المنعزل، واعتماد مقاربة مندمجة تتسم بالالتقائية والتكامل بين مختلف الفاعلين العموميين والخواص. كما شدد على ضرورة إشراك فعال لمكونات المجتمع المدني والخبراء المحليين، من خلال ورشات عمل ميدانية، تفضي إلى بناء تصور جماعي يعبّر عن انتظارات المواطن ويترجمها إلى مشاريع قابلة للتنفيذ.
واعتبر أن المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد المشاريع ذات الأولوية، بناءً على معايير النجاعة والاستدامة والأثر المباشر على الحياة اليومية للسكان، مع الحرص على ضمان التتبع والتقييم المستمر لمسار الإنجاز.
التزام جماعي وتجديد في الرؤية
وقد أجمع المتدخلون خلال الاجتماع على أهمية هذا الورش التنموي، مؤكدين انخراطهم التام في إنجاحه، باعتباره فرصة لتجديد الفعل العمومي، وتثبيت قيم التعاون بين الدولة والمجتمع، وإرساء أسس عدالة مجالية حقيقية تعزز الاستقرار وتفتح آفاقاً أوسع للتنمية الشاملة.
ويُنتظر أن تشكل المشاورات الجارية منطلقًا لبلورة برنامج تنموي جديد بمكناس، يعكس التوجهات الكبرى للنموذج التنموي الجديد للمملكة، ويعتمد على مقاربة واقعية، دامجة، ومبنية على نتائج ملموسة تلمسها الساكنة على الأرض.