يستعد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني للتوجه إلى العاصمة الأمريكية واشنطن يوم الثلاثاء المقبل، تلبية لدعوة رسمية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحضور قمة مصغّرة بالبيت الأبيض. الحدث، المقرر يوم 9 يوليو الجاري، سيجمع قادة دول من غرب ووسط إفريقيا، بينهم قادة من السنغال والغابون وليبيريا وغينيا بيساو، لمناقشة آفاق التعاون الاقتصادي والتجاري، في سياق مقاربة أمريكية جديدة تعيد ترتيب أولوياتها الإفريقية على أسس الشراكة الاستراتيجية لا المساعدات التقليدية.
ورغم الطابع الاقتصادي الظاهر للقمة، يرى محللون أن مشاركة الغزواني في هذا اللقاء الرفيع تمثل مؤشرا على تزايد وعي واشنطن بأهمية موريتانيا كلاعب محوري في منظومة الساحل والصحراء. في ظل تنامي التحديات الأمنية وتغير الخريطة الجيوسياسية بعد تراجع النفوذ الفرنسي، تبرز نواكشوط كنموذج للاستقرار السياسي والانفتاح المتزن، ما يجعلها شريكا موثوقا في نظر القوى الدولية الكبرى.
المشاركة الموريتانية تُقرأ أيضا كتقدير دولي للرؤية المتزنة التي يقود بها الغزواني السياسة الخارجية لبلاده، خاصة موقفه المتوازن من النزاع المغربي الصحراوي، حيث تتبنى موريتانيا حيادًا إيجابيًا يتيح لها الانفتاح على الحلول التوافقية دون الاصطفاف مع أي طرف. هذا الموقف، حسب مراقبين، منح موريتانيا هامشًا دبلوماسيًا واسعًا يمكن استثماره في ملفات إقليمية شديدة الحساسية.
محمد عبد الرحمن المجتبى، مدير عام مجموعة “الصدى” الإعلامية، يرى أن دعوة الغزواني إلى قمة البيت الأبيض تجسيد لاعتراف دولي بمكانة نواكشوط المتقدمة، مدعومة برصيده في قيادة الاتحاد الإفريقي ونجاحه في تمثيل القارة في محافل عالمية، من المكسيك إلى الولايات المتحدة. المجتبى يؤكد أن موريتانيا تحولت في السنوات الأخيرة إلى وسيط إقليمي قادر على الجمع بين اعتبارات الأمن والتنمية والعدالة المناخية.
وعلى المستوى الاقتصادي، تشهد العلاقات الموريتانية الأمريكية تطورا ملحوظا منذ 2013، خصوصا في مجالات الطاقة والمعادن. وبرزت مشاريع واعدة في قطاع الهيدروجين الأخضر قد تجعل من موريتانيا أحد روّاد الطاقات النظيفة في إفريقيا. في المقابل، يشير المجتبى إلى تقاطع استراتيجي بين نواكشوط ومحور السعودية والإمارات، يتماشى مع الأولويات الأمريكية لمحاربة الإرهاب والتطرف في المنطقة.
لا يغيب نزاع الصحراء المغربية عن خلفيات القمة، رغم عدم الإعلان الرسمي عن إدراجه في جدول الأعمال. وبحسب المجتبى، فإن واشنطن تتبنى موقفًا يدعم وحدة المغرب الترابية ومبادرة الحكم الذاتي، ضمن مقاربة واقعية تراعي التوازنات الإقليمية. موقف موريتانيا من النزاع يظل ثابتا، يتمثل في الحياد الإيجابي ورفض الاصطفافات، مع الاستعداد للعب دور الوسيط إذا ما أُتيح لها المجال.
من جانبه، يرى الكاتب الصحافي محمد الأمين محمد المامي أن دعوة الغزواني لا تخلو من رسائل استراتيجية، خصوصا في ظل إعادة واشنطن ترتيب أولوياتها الإفريقية لمواجهة منافسين جدد كالصين وروسيا. ويرى أن نواكشوط مؤهلة للعب دور توافقي في النزاعات الإقليمية، وفي مقدمتها قضية الصحراء، بفضل سياستها الواقعية وتاريخها الوسيط. ويؤكد أن الغزواني، بحكم تجربته وحنكته، قد يكون طرفًا رئيسيًا في صياغة خريطة جديدة للتحالفات في إفريقيا.