تواصلت فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان “عيساوة: مقامات وإيقاعات عالمية” بالعاصمة الإسماعيلية مكناس، يوم الخميس 24 يوليوز 2025، وسط أجواء روحية وفنية غنية احتفت بالتصوف المغربي الأصيل وبالتعبيرات الفنية العيساوية العريقة، في فضاءات متعددة عبر المدينة.

معرض وتظاهرات فكرية في قلب مكناس الروحي

انطلقت أشغال اليوم الثاني بافتتاح معرض خاص بالتراث العيساوي بمركب الأوقاف، تحت عنوان: “المريدين في رسائل وخطب أمير المؤمنين”، والذي احتضن أيضًا “متحف الطريقة العيساوية”، إلى جانب تنظيم ندوة دولية مهمة ضمن “الملتقى الدولي الأول للتصوف”، تناولت قضايا الهجرة والتصوف من منظور تاريخي واجتماعي وروحي.

باب منصور يصدح بعيساوة والأغنية المغربية المعاصرة

في تمام التاسعة والنصف مساءً، تحوّلت المنصة الدولية التاريخية بباب منصور إلى فضاء ساحر جمع بين النغم الصوفي والأنغام العصرية. الطائفة العيساوية الفاسية برئاسة المقدم مولاي عبد الله اليعقوبي القباقبي أبهرت الجمهور بأداءها الروحاني العميق.

ليلة الطرب الروحي لم تتوقف هنا، إذ التقى الفنان أمير علي بجمهوره مجددًا في عرض موسيقي راقٍ مزج فيه بين صوت الكمان وإحساسه الفني المرهف، قبل أن يعتلي الفنان عصام كمال الخشبة بأغانٍ جمعت بين الإيقاع العيساوي والأنماط العصرية، متيحًا لحظة فنية جامعة بين الأصالة والتجديد.

من جهته، قدّم الفنان الكبير فؤاد الزبادي مقاطع شعرية مؤثرة عبّر فيها عن فخره بالانتماء لمدينة مكناس، فيما اختتم الفنان نعمان لحلو الليلة بأغنية تمجّد مدينة الملوك، رفقة جوق الإسماعيلية بقيادة الأستاذ منتصر حمالا.

منصات فنية متعددة تحيي العيساوية عبر أحياء المدينة

في ساحة لاكورا، خصصت منصة “تاعيساويت” عروضًا خالصة للمدرسة المكناسية في الفن العيساوي، أبدعت فيها طوائف أهل مكناس برئاسة المقدم هشام المرابط، وطائفة العمراني بقيادة نور الدين العمراني، إلى جانب الطائفة العيساوية الفاسية الأصيلة بقيادة محمد أنس الكوهن.

أما في صهريج السواني التاريخي، فقد نُظم موكب “ليالي الحال” بمشاركة طوائف من فاس ومكناس، أبرزها: طائفة شباب أهل فاس (المقدم عبد العاطي فاضل)، وأبناء الطريقة العيساوية (المقدم عبد الله المرابط)، والركب الإسماعيلي (المقدم صابر بن عبد الجليل عوام).

كما شهدت منصة ساحة نيم بالمدينة الجديدة عروضًا نوعية لفرقتي نجم تراث عيساوة (المقدم عمر التازي الحلواني)، وآل الشيخ الكامل (المقدم هشام العيساوي).

الإبداع الفكري يحضر في “مدارج الكلام” وبيوت الذاكرة

في موازاة العروض الفنية، نظّم قصر الياقوت لقاء أدبيًا تحت عنوان “مدارج الكلام: قراءات في التصوف العيساوي”، فيما خُصص قصر ديدي لعرض إصدارات المهرجان ضمن “بيوت الذاكرة العيساوية”، مما منح للجانب الفكري والبحثي مساحة متميزة ضمن البرنامج العام.

نحو ترسيخ الدبلوماسية الثقافية للمغرب

يمثل مهرجان “عيساوة” بمكناس اليوم أكثر من مجرد تظاهرة فنية؛ فهو تجسيد لرؤية ثقافية حديثة تسعى إلى إعادة الاعتبار للتراث الروحي المغربي، وربطه بالراهن، عبر منصات عالمية ومساحات من التلاقي والتفاعل، تعكس صورة المغرب المنفتح والمعتز بتعدديته.