انطلقت يوم الأربعاء 23 يوليوز 2025 فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان “عيساوة: مقامات وإيقاعات عالمية” بمدينة مكناس، في مشهد احتفالي مهيب يجمع بين الروحانية العميقة والإبداع الفني المعاصر، مؤكداً أن المدينة الإسماعيلية ما تزال وفية لتراثها الصوفي الغني، المنغرس في عمق الذاكرة الجماعية للمغاربة.
في الصباح، زار ضيوف المهرجان ضريح الولي الصالح الشيخ الكامل، في لحظة رمزية قوية تكرّم الإرث الروحي للطريقة العيساوية، وتستحضر الأثر البارز لأبناء الشيخ الكامل في صون وتوريث هذا الموروث الثقافي الفريد الذي يتجاوز الطقوس ليشكل جزءًا من هوية المكان والإنسان.
أما في المساء، فقد عرفت ساحة لهديم التاريخية تدشينًا استثنائيًا بحضور شخصيات رسمية بارزة، من بينها والي جهة فاس-مكناس، وعامل عمالة مكناس، ورئيس الجهة، ورئيس المجلس الإقليمي، ورئيس جماعة مكناس، إلى جانب نخبة من الفعاليات المدنية والثقافية.
وفي سابقة رمزية، تم فتح أبواب معلمة باب منصور لعلج التاريخية لتُطل منها الطوائف العيساوية على الجمهور المحتشد، حيث افتتح العرض بطائفة عيساوة الأصالة برئاسة المقدم سفيان لحكيم، مصحوبة بالطائفة العيساوية الفيلالية بقيادة المقدم خالد لمرابط، على إيقاعات روحانية اجتذبت الحضور إلى أجواء من السمو الروحي والوجد العميق.
كما تم عرض الفيلم الوثائقي “حكاية أمة”، الذي استعرض فصولاً من تاريخ المغرب، مسلطًا الضوء على العلاقة المتشابكة بين الفن، التراث، والهوية الوطنية، في توليفة بصرية جسّدت مدى عمق الامتداد الحضاري المغربي.
وشهد الحفل أيضًا مشاركة وازنة للطائفة العيساوية لدار المخزن تواركة برئاسة القائد الحاج جمال، إلى جانب الطائفة العيساوية الركب الفيلالي الأصيل برئاسة المقدم عبد الصمد هادف، وطائفة الجمعية العيساوية للفنون الشعبية برئاسة الحاج سعيد الكيسي، وهو ما أعطى للمهرجان بعدًا جامعًا لوصلات التراث العيساوي من مختلف الجهات.
وعلى الجانب الفني، تألقت الفنانة شدى حسون والفنان رضوان الأسمر في عروض موسيقية مزجت بين التراث واللمسة العصرية، برفقة جوق الإسماعيلية للموسيقى بقيادة الأستاذ منتصر بوحمالا، ليختتم اليوم الأول من المهرجان في أجواء احتفالية عنوانها الوفاء للأصالة والانفتاح على الحداثة.
مهرجان “عيساوة” في مكناس لا يقدم فقط عروضًا فنية، بل يرسّخ لثقافة اللقاء والتقاطع الحضاري، جامعًا بين الطقوس الروحية، الممارسات الموسيقية التراثية، واللمسات الإبداعية المعاصرة، في مشهد يليق بمدينة ذات تاريخ ثقافي وديني عريق.
