Monday, 18 August 2025
كلمة الرأي مجتمع

كتابة تحت الطلب: حين يبيع الكاتب قلمه

The short URL of the present article is: https://gmedianews.ma/7ccx

فاطمة الزهراء حبيدة

تؤدي النصوص الأدبية والكتب الفكرية والروايات كذلك، والتدوينات المتواصلة على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، دورا حيويا في التأثير على المجتمعات، فالكتابة ليست مجرد تفريغ لهواجس فكرية أو تعبير عن أحاسيس، بقدر ما تشكل قوة ناعمة، قادرة على التأثير في خيارات الأفراد وتوجهاتهم الفكرية والسياسية، والتلاعب بعواطفهم وتوجيهها، وفي أسوء الحالات تغلطيهم إن اقتدت مصلحة ما ذلك، فليست كل كتابة نابعة من إرادة الكاتب، أو رغبة داخلية في نشر الوعي، أو تحفيز الأفراد على الانخراط في الشأن الثقافي، فكما أن للكتابة بواعث إيجابية، يمكن أن تنقلب هذه البواعث إلى ما لا يُحمد عقباه، إما بقصد أو بدون قصد.
كما لا يمكن إنكار تأثير الكتاب، خاصة في ظل حضورهم المستمر على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي وتفاعلهم مع الأحداث الاجتماعية والسياسية، وإبداء آرائهم انطلاقا مما تمليه عليهم مسؤوليتهم الثقافية، لكن في المقابل هناك من هو على استعداد للعب دور معاكس تماما، وبمواقف متناقضة وغير منطقية، ليس لأن المواقف تتغير، بل لأن العُملة ترتفع و تنخفض حسب من يؤدي أكثر، وهذا النموذج ليس حديثا بل منذ القدم، سخر بعض: الكتاب، صحافيون، مؤثرون أنفسهم لخدمة السلطة ولتمرير أجنداتها وأهدافها السياسية، عبر خلق قوة ناعمة تحت غطاء الثقافة والادب، مستغلين في ذلك اتساع عدد المتابعين/ القراء، لكن هل يمكن لكاتب أن يبيع ويرهن مساره ليكون أداة مُسخرة في يد السلطة، أن يتحدث بلسانها، أن يدافع عن أفكار وقناعات لا يملك فيها لا ناقة ولا جمل؟ أن يصبح الكاتب أداة تباع وتشترى، أن يخسر قلمه، ليكون كاتبا لشهادة وفاته الأدبية وبتوقيعه كذلك؟ أي دور هذا يرهن المرء نفسه لخدمة نوايا الاخرين؟
صراع الأقلام المأجورة وضريبة إصلاح مؤجلة
تتراشق الاتهامات بين الكتاب، الصحفيين، المدونين، هذا يمجد وآخر يسب، وثالث يعترض ويحاول إزالة اللبس، والضحية بين كل هؤلاء هو المتلقي أو دعنا نقول المواطن، الذي تحاك من ورائه لعبة لا يدري عنها شيء، حيث القرارات تصاغ في الكواليس، منهم من أخذ شيكا بعدد أصفار مهم، وآخر أخذ مقابل صمته أو كلامه خذمة، وهكذا لتستمر الدائرة، إلى أن يحدث الخصام أو يعرض أحد الأطراف عن تلبية إرادة الآخر، فتفجر الخصومة، تجد الصحافة الصفراء في مثل هذه المواضيع، مادة دسمة، وأي مادة هذه، هذا باع قلمه وآخر اشترى، قضيت المصالح والنتيجة رابح رابح، لكن للتو يستفيق ذلك المواطن المسكين، الذي لا طالما علق على منصات مختلفة يصفق لشجاعة كاتبه، ومواقفه الجريئة، ليستفيق من سباته ويدرك فجأة أن كل تلك الانتقادات لم تكن خوفا على مصلحته، أو تحقيقا لغاية نبيلة، بل فقط خوفا أن تقل المصالح، أو أن تسقط تلك الأرقام التي تملئ الحساب البنكي.
تكثر الأقلام المأجورة في فترات التوتر: ثورات، ضجة إعلامية، حملات انتخابية…، لأنها أكثر ما يعول عليه أصحاب النفوذ من أجل خلق قاعدة جماهيرية واسعة: حملات إعلامية مدعومة مكثفة، استمالة المؤثرين، استقطاب المشاهير، كلها لا لشيء، فقط للتصفيق والتمجيد واختتام بعبارة الدراجة المغربية “العام زين” رغم أن لا شيء يغري بالجمالية، كل ملامح التحسن غير ظاهرة، فشل مغطى ببعض اللمعة والكلمات الرنانة التي يغدق بها المسؤول عن التواصل، الذي هو نفسه لا يقتنع بقوله، عند حديثه عن إصلاحات حكومته، التي لا تشبه الإصلاح في شيء، سوى الشكل، استراتيجية هنا، وبرنامج هناك، ومخطط في أفق التنزيل، أتدري تلك العبارات الرنانة التي توحي بـأن هناك شيء عظيم يصنع، لتكتشف فيما بعد أنها مجرد سراب، كالذي يتوه في الصحراء، ويتراءى النهر أمامه من شدة العطش، كل ما اقترب منه ابتعد، كذلك هي إصلاحات التي يدعونها، أو بتعبير أدق هي أشبه بالأوراق اللاصقة التي تغلف الجدران الهشة والتي تهالكت صباغتها ولم تعد صالحة لتجديدها أو تلميعها، نظرا لتكلفة الإصلاح، فالأمر أشبه بإعادة صباغة جدار لمنزل آيل للسقوط، يستدعي التعامل معه بحذر، ويتطلب إشراف محترف في الصباغة، وطلاء من النوع الرفيع، وتقشير مسبق، ثم وضع طبقات متعددة، إلى حين الحصول على النتيجة النهائية المرضية، كل هذه المراحل تتطلب وقتا، ومالا وجهدا، فالتجديد له ثمنه، وفي أحسن الحالات قد يتطلب الأمر إزالة الجدار كاملا، فهل استشعرت كم حجم الإصلاح مكلف؟ أتدرك الآن لما يختار البعض أن يخفي الخلل بدل إصلاحه؟ إذن هذه حالة أغلب من يدعون الإصلاح، إنها حجة السياسي الذي يلهث وراء الأصوات، لضمان تأييد شعبي، لا ليصلح بل ليغلف، فالغلاف أرخص بكثير، وأقل من حيث الخسائر، أي سيضمن له في المقابل الحصول على ولاءات كثيرة، حتى ممن يُفترض بهم أن يعارضوه، فهو لا يقوى على الخروج بموقف واضح والتضحية بحلفائه وخصومه كذلك، فلا أحد يدري قد يحتاجهم مستقبلا…، ليترك مهمة لعب دور المنقذ لشلة من الكتاب أو الصحفيين أو المؤثرين، فهم قادرين على التضحية بقليل من المتابعين من أجل كسب بعض الدريهمات، بمجرد أن تنجح المهمة، حتى يُرمى بهم إلى الهامش، بدون الحصول من جديد على القدرة لا على التأثير أو ثقة الجمهور.
الاستعانة هنا بنماذج واقعية واستحضار أسماء بعينها يكون أشبه بوضع عنقك على حبل المشنقة، فدعني عزيزي القارئ نمر على هذه الفقرة مرور الكرام، لكي لا نتورط أكثر، أين كنا، نعم، فمنها ما هو ظاهر بشكل واضح لا يدعوا مجال للشك، وتكشفه التدوينات المتناقضة والتبريرات غير المنطقية، وآخر خفي، لكن في الغالب ستبوح به الأيام، بعد أن تتضارب المصالح، حين يصعب تلبية الرغبات، فتنشر فضائحهم على علانية، فالانكشاف ليست مسألة صعبة، وإنما الأصعب هو إعادة البناء من جديد، كيف يمكن أن يُبنى قلم، صوت، فكرة، أشياء تتأسس على الصدق بدل المراوغة، وعلى الثقة بدل التلاعب وتزييف الحقائق.
صناعة المأجورين: مسؤولية المجتمع
خلف كل هذا الهوان الذي صار عليه بعض الكُتاب، رغبة كبيرة في الانتقام ليس من الآخر، بل من الذات، على اختيار طريق لا تغري وتغني، كأنه يحاول استعراض ما جناه جراء التصفيق للقادة السياسيين، أو ربما هي محاولة لإثبات عدم الفشل، أو الثأر من الأيام التي كان فيها الكاتب على الهامش: إعلاميا، وفكريا، وماديا، فيا تُرى كم يجني الكاتب جراء نشر كتبه؟ وكم من اللقاءات يستضاف فيها لشرح مشروعه الفكري؟ وكم من الدعم الثقافي يتلقى جراء نقده وحضوره ودعم أعماله؟ في العالم العربي الدعم الثقافي يكاد يكون ضئيلا، وأرباحه لا يمكن أن تحقق موردا للعيش، هل فعلا الكاتب محق في أن يبيع نفسه؟ أن يلقي اللوم على قطاع الثقافة وعلى الشأن العام لعدم مبالاتهم به؟ هل يختار أن يلعب دورا مزدوجا؟ أن يرد الصاع صاعين؟ أن يقول لمن صدوا أنظارهم عنه في بداياته أنه اليوم يبيعهم ويشتريهم؟ من رفضوا أن يسمعوا الحقيقة منه وهو كاتب صادق، اليوم يسمعون الزيف والكذب، بثمن باهض، وبمكاسب ثمينة، هل حين يتذوق لذة الوصول والطرق المختصرة سيشتاق للطرق الوعرة والمملة، هكذا نساهم نحن كمجتمع في صناعة المأجورين، نحن كذلك مسؤولين عن صناعة هذه النماذج المتقلبة في المواقف، نُصر على متابعتهم نقدهم، وعتابهم كذلك، في المقابل كان من الممكن أن تُنهى كل عبثهم بضغطة زر، بإلغاء متابعة، بحظر، بإخفاء منشوراتهم، بعدم اقتناء موادهم أو كتبهم، حينها يكون المواطن مؤثرا تأثيرا مضادا، فلا السياسي ولا الكاتب ولا الصحفي لهم تأثير بدون رد فعل المواطن وتفاعله، هكذا يتحول هذا الأخير، من مجرد متلقي إلى خلاق ومتحكم.
فهذا حال السياسة متقلبة، ومربكة، صديق اليوم عدو الغد، والعكس صحيح، لكن هل مقبول أن يكون هذا حال كتابنا، أن يبيعوا أنفسهم بثمن بخس؟ لكن قبل أن نلقي اللوم على منهم على هذه الشاكلة، ألا يجب أن نساءل أنفسنا كمواطنين، ماذا قدمنا من دعم لمن يكتب بصدق، لمن يتفوه بالحق رغم ضريبته وتكلفته العالية؟

The short URL of the present article is: https://gmedianews.ma/7ccx

الإعلام الأخضر

About Author

اترك تعليقاً

اشترك معنا

    ننطلق من إيمان عميق بأن البيئة ليست مجرد إطار خارجي لحياتنا، بل هي امتداد لصحتنا النفسية والجسدية،

    جريدة إلكترونية مغربية شاملة، متخصصة في قضايا الفلاحة، التنمية القروية، البيئة… وكل ما يربط الإنسان بالأرض والطبيعة من حوله.

    Gmedianews @2023. All Rights Reserved.