أيدت محكمة الاستئناف بالرباط، اليوم الاثنين، الحكم الابتدائي الصادر في حق الصحافي حميد المهداوي، مدير نشر موقع “بديل”، القاضي بسجنه سنة ونصف حبسا نافذا، وأداء غرامة مالية ثقيلة قدرها 150 مليون سنتيم لفائدة وزير العدل عبد اللطيف وهبي. حكم يفتح من جديد النقاش العميق حول حدود حرية التعبير في المغرب، والتوازن المطلوب بين الحق في النقد والمساءلة، وحق الأفراد في صيانة كرامتهم وسمعتهم.
الملف، الذي انطلق منذ أشهر، يندرج ضمن سلسلة من المحاكمات التي يتابعها الرأي العام باهتمام، بالنظر إلى ما تطرحه من تساؤلات حقيقية حول مدى انسجام القوانين الجاري بها العمل مع روح الدستور المغربي الذي يقر بحرية الرأي والصحافة، ومع الالتزامات الدولية للمملكة في هذا المجال. وإذا كان القضاء قد بنى قراره على فصول واضحة من القانون الجنائي، تتعلق ببث وتوزيع وقائع كاذبة والتشهير والسب، فإن الأصوات الحقوقية ترى أن المقتضيات المستند إليها، تعود إلى مرحلة ما قبل دستور 2011، وتحتاج إلى مراجعة شاملة لضمان توازن أكبر بين الحقوق والواجبات.
في المقابل، يتساءل عدد من المهتمين بالشأن الإعلامي عن الرسائل التي تُبعث من خلال أحكام تتضمن عقوبات حبسية وغرامات باهظة في قضايا تتعلق بالرأي والنقد، في زمن باتت فيه المنصات الرقمية جزءًا من المجال العام، وصار فيه المواطن الصحافي فاعلًا مركزيًا في إنتاج المعلومة ومساءلة السلطة. كما تُطرح بإلحاح قضية تضارب المعايير، حيث يُحاكم البعض بينما تمرّ ممارسات أخرى، قد تكون أكثر حدّة أو ضررًا، دون متابعة أو مساءلة.
قضية حميد المهداوي ليست مجرد ملف قضائي، بل تعكس حالة من التوتر المتصاعد بين حرية الصحافة وسقف المسموح به قانونيًا. هي حالة تتطلب حوارًا وطنيًا هادئًا حول ما ينبغي أن تكون عليه علاقة السلطة بالإعلام، وحول أي صحافة نريد في مغرب يطمح إلى نموذج تنموي جديد، يجعل من الثقة والشفافية والديمقراطية ركائز أساسية.
في زمن الرقمنة المتسارعة، تظل الكلمة سلاحًا ذا حدّين، لكن التعامل معها بمنطق العقاب وحده، قد لا يكون كافيًا، بل أحيانًا قد يأتي بنتائج عكسية، ويعزز مناخًا من التوجس والكتمان بدل الانفتاح والنقاش.