بعد نحو عامين من تولّيه ملفي التحقيق في جرائم الحرب المرتكبة في غزة، اضطر المحامي البريطاني أندرو كايلي إلى الاستقالة من منصبه كمحامٍ رئيسي في المحكمة الجنائية الدولية. فقد كان يواجه ضغطاً هائلاً وصل إلى حد تلقي تهديدات هاتفية مجهولة، وهو ما اصطدم بمشهد قاسٍ حوّله إلى “أسوأ أشهر في حياته” .
كايلي الذي بلغ من العمر 61 عاماً، تكبد عناء جمع أدلة قوية، بما في ذلك شهادات مرّت عليه فضلاً عن وثائق مصوّرة لتعذيب الأطفال وضحايا الحرب، عندما شارك في إجراء مقابلات مع أسرى إسرائيليين سابقين وأطفال فلسطينيين من غزة . لكن بروز احتمال اصدار وثيقة توقيف ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بنيامين نتنياهو، جعل الضغوط تتصاعد بشكل مفاجئ.
في مايو 2024، اجتمع عدد من كبار أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي بمسؤولي المحكمة محذّرين بشكل مباشر من ردٍّ محتمل، وهو ما ظهر خلال صرخات السيناتور ليندسي غراهام الذي لوّح بفرض عقوبات، وحتى بغلق المحكمة .
أثر ذلك ظهر سريعاً: فقد بدأ كايلي يتلقى رسائل تهديد هاتفية واضحة المعالم، تطالبه بالحذر من “خطر شديد”. وبالفعل، تحرّك جهاز الأمن الهولندي لتحذيره، وأوصى بتشديد إجراءات الحماية الأمنية بمنزله، بما في ذلك تجهيز أنظمة إنذار ونوافذ مدرّعة وحتى باب مضاد للرصاص .
كما شكّلت التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية ضغوطاً غير مباشرة، حيث إن كايلي يعتمد مادياً على أسرته في الولايات المتحدة، ما يجعل أي إجرام مالي مكروهًا ومستبعداً فعلياً . وأضاف لها تأثير الصحة النفسية، إذ استنزفت عليه لدرجة أجبرته أخيرًا على ترك المهمة التي وصفها بـ”الوظيفة التي كان يحبها”.
تعد هذه الاستقالة تحذيراً صارخاً حول مدى هشاشة استقلال القضاء الدولي أمام ضغوط سياسية واقتصادية. كما سلط الضوء على خلل في حماية من يعملون على كشف الفظائع الإنسانية .