الحراق عبد الوافي
بعد الخطأ التشريعي الذي تقدمت به اللجنة المؤقتة باسم وزير الشباب والثقافة والتواصل إلى البرلمان في إطار مشروع قانون، والقاضي بتعيين رئيس المجلس الوطني للصحافة من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وهو ما اعتبر في حينه تطاولا على ملك البلاد من جهة، ومن جهة أخرى، تجاوزا لصلاحية هذا المجلس الذي لا يغدو كونه مؤسسة مهنية، لا ترقى إلى أجهزة الحكامة التي نص عليها الدستور المغربي، بالاسم الصريح دون لبس أو تأويل. وهي أجهزة دستورية يتم تعيين رؤساءها من طرف جلالة الملك وفق ما يدخل في اختصاصات جلالته. ولحسن الحظ، تم تدارك الموقف من طرف الفرق البرلمانية ولجنة الثقافة والتعليم والتواصل، وسحب هذا المشروع على وجه السرعة، واختف في رمشة عين من رفوف مشاريع البرلمان.
فبعد هذه الفضيحة، سقت اللجنة المؤقتة ومعها المكلف بتنفيذ مخططاتها ومقترحاتها السيد وزير الشباب والثقافة والتواصل في خطأ فادح آخر، حيث تقدمت مرة أخرى ببعض المقتضيات المتضاربة في مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة رقم 25-26، وهي مقتضيات ليس فقط متناقضة مع الدستور المغربي والمواثيق الدولية، بالرغم من أن هذا التعارض وحده كفيل بدحض ورمي بهذا المشروع في القمامة القانونية، بل مشروع قانون هذا المجلس متناقض ومتعارض حتى مع قانون الصحافة رقم 88.13 المنظم للمهنة، الذي يعتبر أصل التنظيم المهني. والذي ينص في المادة 37 على أن “لا يجوز حجب موقع الصحيفة الإلكترونية إلا بمقرر قضائي..على أن لا تتجاوز مدة الحجب شهرا واحدا”، بمعنى أن هذا الأمر مخول فقط للقضاء كمؤسسة دستورية وهيئة قضائية مستقلة. إلا أن مشروع قانون المجلس الوطني الجديد تجاوز حدوده ليتطاول حتى على اختصاصات مؤسسات العدالة والقانون، إذ أقر في مشروعه هذا في المادة 89 المتعلقة بالعقوبات التأديبية في البند 5، على أن المجلس يصدر في حق الناشرين والصحافيين عقوبة : “توقيف إصدار المطبوع الدوري أو الصحيفة الإلكترونية لمدة لا تزيد عن شهر”. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الجهل وضعف المستوى التعليمي، الذي يتسبب في استصدار هكذا قوانين مجحفة تضر بمصالح المهنيين خاصة، والمواطنين عامة.
لكن للأسف، هذا التناقض القانوني المعيب، تم تمريره في المجلس الحكومي، المكون (المفترض) من خيرة الكفاءات السياسية والعلمية للبلاد، وأمام أعين رئيس حكومة ووزير العدل ووزير الداخلية ووزير التعليم العالي، وغيرهم من الكفاءات الحكومية. جميعهم لم ينتبهوا على أن المادة 89 من مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة رقم 25-26 تتعارض وتتناقض مع المادة 37 من قانون مهنة الصحافة 13-88.
والأدهى من ذلك، حتى مؤسسة الأمانة العامة للحكومة، التي تعتبر مصفاة القوانين والتشريعات، وتقويمها وملاءمتها مع الدستور ومع باقي القوانين، هي بدورها لم تنتبه إلى هذا التناقض الصارخ، الذي ينص في مدونة الصحافة والنشر على عدم توقيف أو حجب أي موقع أو جريدة إلا بمقرر قضائي، بمعنى، إلا بحكم قضائي صادر عن هيئة دستورية مختصة. وفي نفس الوقت، ومن ذات المدونة القانونية، ينص على أن المجلس الذي هو عبارة عن هيئة مهنية، يقوم مقام القضاء ويجوز لنفسه صلاحية توقيف وحجب الجرائد والمواقع الإخبارية. مما يعكس بحق قمة اللامبالاة بالقوانين والتشريعات، ويحيلنا على الظروف والكيفيات التي يتم فيها سن وتشريع القوانين التي تحكم المهنيين خاصة والمغاربة عامة.
ولولا الضجة التي قامت بها الهيئات المهنية للتصدي لهذا القانون أثناء إحالته على لجنة البرلمان للمصادقة عليه، وهو ما مكن المهنيون من الاتصال ببعض النواب البرلمانيين لاستدراك ما يمكن استدراكه، من تناقضات قانونية وتجاوزات تنظيمية تضمنها مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة، والتي تتعارض في معظمها مع الدستور المغربي والمواثيق الدولية، بل ومدونة الصحافة والنشر ذاتها. فلولا هذه الضجة المهنية المعبرة عن إرادة الصحافيين والناشرين النزهاء الغيورين عن الوطن وعن هذه المهنة، لكان البرلمان ذاته سقط في نفس التناقض والتضارب في القانون. حيث تم تدارك الموقف وحذف المادة 89 من مشروع قانون هذا المجلس، التي تنص، كما أسلفنا، على أن هذا الأخير أعطى لنفسه الحق في حجب المواقع وتوقيف الجرائد، في تصادم تام مع اختصاصات القضاء الذي خول له قانون مهنة الصحافة رقم 13-88 وحده صلاحية القيام بهذا الإجراء. وذلك لاعتبارات عدة، منها، أن مؤسسة القضاء مستقلة عن المجلس ومحايدة في أحكامها وقراراتها القضائية، هذا من جهة ومن جهة أخرى، عدم تمكين الأغيار من الانتقام المهني الذي تحكمه نزعة وعقلية “خوك في الحرفة عدوك”.
هذا غيض من فيض مما تضمنته مقترحات اللجنة المؤقتة للصحافة، وما خفي أعظم في مشروع هذا القانون الذي قام المجلس الحكومي بالتصديق عليه، وصادق عليه البرلمان بسرعة البرق دون توسيع النقاش الوطني، أو إعطاء مهلة زمنية كافية، لتمكين جميع المهنيين والمهتمين والمجتمع الحقوقي والمدني من إبداء ملاحظاته ومشاوراته، مادام أن الإعلام هو خدمة عمومية ومجتمعية، وليس خدمة خاصة بالشركات والمقاولات الإعلامية الكبرى.
كما أن هذه الأخطاء والتناقضات التي سقط فيها البرلمان والحكومة والأمانة العام للحكومة، هي نتيجة ثقة هذه المؤسسات في وزيرها، الذي لازال في ريعان شبابه، وتم استغلاله من طرف شيوخ المهنة ولوبيات الإعلام لتنفيذ مخططاتهم التي تخدم مصالحهم داخل المجلس الوطني للصحافة وعلى رأسها 3 مليار و200 مليون، ومصالح مقاولاتهم من خلال شروط احتكار الدعم العمومي.
ولهؤلاء نقول : يمكنكم أخذ الأموال العمومية الممنوحة من طرف الدولة لقطاع الإعلام، ولكن اتركوا لنا المهنة وأخلاقياتها والصحافة الوطنية وجلال نبلها. لك الله يا وطن.