سياسة كلمة الرأي

عن القصف… وعن “المدنيين” حين يصبح تعريفهم سؤالًا

The short URL of the present article is: https://gmedianews.ma/bnje

إيمان بوحزامة

الحروب ليست مجرد معارك عسكرية. هي مرآة كبرى… تعكس حقيقة الإنسان، وحقيقة علاقته بالأرض.
هي اللحظة التي تنفضح فيها كل الشعارات… وتُختبر الجذور.

منذ سنوات طويلة، ونحن نرى مشهدًا واحدًا يتكرر:
طائرات إسرائيلية تقصف غزة، نابلس، جنين…
تقصف البيوت، المدارس، المستشفيات…
ثم يخرج علينا الخطاب المعلّب: “نقصف أهدافًا عسكرية، يختبئ خلفها المسلحون”.

واليوم… حين بدأت إيران في قصف أهداف في العمق الإسرائيلي، بدأ المشهد ينعكس:
الذين كانوا يبررون قصف المستشفيات في غزة، صاروا يبكون حين يُقصف مستشفى في تل أبيب.
والذين كانوا يحتفلون بتدمير أبراج غزة، صاروا يتحدثون عن الأخلاق والإنسانية حين تضرب الصواريخ موانئهم ومطاراتهم.

ونحن… الناس العاديون… نشعر للمرة الأولى بشيء من الفرح:
نعم… فرح حين تُقصف مدن الكيان، حين يهرب المستوطنون إلى الملاجئ، حين يتذوق المحتل ولو للحظات طعم الرعب الذي فرضه على أطفال غزة عشرات السنين.

يقول بعضهم: “لا أخلاقي أن نفرح لقصف مدنيين”.
جميل… لنتأمل الكلمة: مدنيين؟
من هم هؤلاء المدنيون؟
حين يكون الإنسان على أرضه، يدافع عن بيته، عن وطنه، هو مدني فعلاً.
لكن حين يعيش على أرض ليست له، يحتلّها، يسكن بيوت أصحابها الذين طُردوا، يرفع علم دولة احتلال، يدعم جيشها، يصوّت لسياسييها الذين يدمرون غزة يوميًا…
هل يبقى مدنيًا؟ أم يصبح جزءًا من آلة استعمارية؟

حين يُقصف طفل في غزة… هو طفل في وطنه.
حين يُقصف طفل مستوطن… هو طفل في مستوطنة أُقيمت على أنقاض بيوت مهجّري دير ياسين ويافا وحيفا.
نفس البراءة؟ نفس البراءة التي يعلّمها آباؤهم أن العربي “عدو”، وأن فلسطين “أرض ميعادهم”، وأن السلاح حق مشروع ضد أصحاب الأرض؟

حين نفرح اليوم بقصف أهداف في عمق الكيان، نحن لا نفرح بالدم… نحن نفرح بانكسار وهم التفوّق.
نفرح بأن من كان يقصفنا كل يوم صار يعرف طعم الخوف.
نفرح لأن آلة القتل الصهيونية لم تعد وحدها من يملك القرار.

وأما القيم والأخلاق… فهي لا تُقاس بميزان مزدوج.
إسرائيل هي من جرّأت هذا العالم على مشهد قتل الأطفال، بقصف المستشفيات وتبريرها، بقتل الصحفيين والممرضين، ثم الادعاء بأنهم “دروع بشرية”.
واليوم… حين تُمارَس ضدها نفس اللغة، نفس الممارسات… تصرخ؟
هذا هو قعر التناقض الأخلاقي.

نعم… نحن نحزن لكل روح تُزهق ظلما.
لكن بين المدني الحر على أرضه، والمدني المغتصب لأرض غيره… مسافة أخلاقية لا يمكن القفز فوقها.

The short URL of the present article is: https://gmedianews.ma/bnje

إيمان بوحزامة

About Author

اترك تعليقاً

اشترك معنا

    ننطلق من إيمان عميق بأن البيئة ليست مجرد إطار خارجي لحياتنا، بل هي امتداد لصحتنا النفسية والجسدية،

    جريدة إلكترونية مغربية شاملة، متخصصة في قضايا الفلاحة، التنمية القروية، البيئة… وكل ما يربط الإنسان بالأرض والطبيعة من حوله.

    Gmedianews @2023. All Rights Reserved.