عاشت العاصمة الإسماعيلية مكناس ليلة فنية متميزة، مساء الجمعة 25 يوليوز 2025، ضمن فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان “عيساوة – مقامات وإيقاعات عالمية”، الذي يواصل نسج لحظات استثنائية من الفخر الثقافي والتنوع الموسيقي، في فضاءات تاريخية تحتضن الموروث المغربي الأصيل بروح معاصرة.
انطلقت فعاليات اليوم الثالث صباحًا بندوة علمية دولية احتضنها المركب الثقافي للأوقاف والشؤون الإسلامية بمكناس، تحت عنوان “القضاء والتصوف”، شارك فيها ثلة من الباحثين من أبرزهم الدكتور محمد رضوان والدكتور حسن فتوح، وذلك في إطار فعاليات ملتقى مكناس الدولي الأول للتصوف. وشكلت الندوة لحظة تأمل في تقاطع البعد الروحي مع المرجعية القانونية والثقافية، بما يعزز مكانة التصوف كرافد من روافد التوازن القيمي في المجتمع المغربي.
مع حلول المساء، تحولت ساحة باب منصور لعلج إلى منصة دولية نابضة بالحياة، حيث التقى جمهور مكناسي شغوف مع فنانين من مدارس موسيقية متعددة، ضمن عرض جماهيري ضخم شهد حضورًا جماهيريًا واسعًا تميز بأجواء احتفالية راقية وتنظيم محكم. استُهلت الأمسية بمجموعة “الشمائل المحمدية” برئاسة الفنان إسماعيل بوجيا، الذي أتحف الحاضرين بصوته الصوفي القوي وأدائه الروحي العميق، ما منح الجمهور لحظات من الصفاء والإحساس الروحاني المرتبط بجماليات السماع الصوفي.
واستمرت الأمسية بلقاء فني راقٍ مع الفنانة نبيلة معان، التي قدمت أداءً متزنًا امتزج فيه الإحساس العميق بجمالية التعبير الفني، ما أضفى على السهرة طابعًا من التوازن بين الرقي المعاصر والعمق الثقافي للموسيقى المغربية. ثم جاء مسك الختام مع النجم اللبناني رامي عياش، الذي أشعل أجواء الساحة بأداء حيوي وتفاعل مباشر مع الجمهور، مقدمًا مجموعة من أبرز أغانيه التي مزج فيها بين الترفيه والاحتراف الفني، بمرافقة جوق الإسماعيلية برئاسة الأستاذ منتصر بوحمالا.
توازت العروض المركزية مع عروض أخرى موزعة على منصات متنوعة بمختلف أحياء المدينة، حيث احتضنت “منصة تاعيساويت” بساحة لاكورا طائفة وناسة الصوفية برئاسة المقدم أنور الدقاقي، ومجموعة “بنات عيساوة” برئاسة المقدمة نوال العبدلاوي، إلى جانب طائفة “التراث” برئاسة المقدم عادل معاش. أما منصة “ليالي الحال” في صهريج السواني التاريخي فقد شهدت حضورًا روحانيًا مؤثرًا أحيته الطائفة العيساوية الفاسية برئاسة المقدم محمد الكوهن، و”نجوم مكناس للتراث العيساوي” بقيادة المقدم أمين كورطيف، واختتمت بفقرات الطائفة العيساوية “عبد المغيث” برئاسة المقدم عبد المغيث هادف.
وفي منصة ساحة نيم بالمدينة الجديدة، أبدعت الطائفة الهاشمية المكناسية برئاسة المقدم هشام بن الشريف، رفقة طائفة السفياني العيساوية بقيادة المقدم سفيان الوحيدي، في تقديم لوحات تراثية غنية بالتقاليد العيساوية الأصيلة.
تشكل فعاليات مهرجان عيساوة بمكناس لحظة استثنائية للاحتفاء بالهوية الفنية المغربية، وإبراز تمازج الأصالة مع الانفتاح على التعبيرات الموسيقية المعاصرة، في إطار يحافظ على روح التراث ويجددها عبر منصات متعددة، ترسخ لمكانة مكناس كعاصمة للصوفية والفن العريق.
