إيمان بوحزامة
نشر الطبيب المغربي أحمد رمزي مؤخراً رأياً يستحق التوقف عنده بتمعّن، قال فيه: “لم أعد أعاتب نساء منطقتي على كثرة الإنجاب، بل أصبحت أقدم لهن نصائح في حسن التربية”، قبل أن يربط ذلك مباشرة بتراجع معدل الخصوبة في المغرب إلى 1.9 طفل لكل امرأة، وبما يعنيه هذا الرقم من مخاطر ديمغرافية.
الرسالة في ظاهرها بسيطة، لكنها تختزل قلقاً عميقاً بدأ يتغلغل في أوساط من يتابعون التحولات السكانية للبلاد. فحسب الإحصائيات الرسمية لسنة 2024، انخفض معدل الخصوبة في المغرب إلى 1.97 طفل لكل امرأة، وهو رقم مقلق لأنه دون الحد الأدنى اللازم لتجديد الأجيال (2.1). وقبل عقد من الزمن فقط، كان هذا المعدل يناهز 2.5، ما يعكس تراجعاً حاداً ومطّرداً في رغبة الأسر في الإنجاب.
في المقابل، يشهد المغرب تراجعاً في نسبة الأطفال في المجتمع. فقد تقلصت نسبة السكان دون سن 15 عاماً من 31% سنة 2004 إلى 26.5% سنة 2024، في حين ارتفعت نسبة كبار السن (65 سنة فما فوق) إلى نحو 8.2%. هذا التحول يهدد بانقلاب الهرم السكاني، ويضع البلاد أمام خطر حقيقي: عدد الشيوخ قد يفوق مستقبلاً عدد الشباب، ما سيفقد المجتمع ديناميكيته الإنتاجية ويزيد الضغط على أنظمة الصحة والتقاعد، دون أن تكون لدينا البنية الكافية لمواكبة هذا التحول.
أما الشباب، فعدد كبير منهم يؤخر الزواج أو يعزف عنه نهائياً لأسباب اقتصادية واجتماعية. وتشير تقارير المندوبية السامية للتخطيط وصندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن ثلث الأشخاص فوق 50 عاماً يقولون إنهم أنجبوا أقل مما أرادوا بسبب الوضع الاقتصادي، و47% يعزون السبب إلى الضغوط المادية، ما يوضح أن المسألة لم تعد ثقافية فقط، بل ترتبط أيضاً بمنظومة معيشية خانقة.
ويؤكد الطبيب أحمد رمزي أن استشارات العقم قد تضاعفت في الآونة الأخيرة، وأن المشاكل أصبحت مشتركة بين الزوج والزوجة. وتشير دراسات وطنية إلى أن حوالي 12% من الأزواج المغاربة يعانون من العقم، تتوزع أسبابه بين النساء (39.6%) والرجال (28.2%)، بينما 17% من الحالات لها أسباب مختلطة. وهو ما يعمّق أزمة الخصوبة، ويجعلها أكثر تعقيداً من مجرد قرار بالإنجاب.
كلام الطبيب لا يجب أن يُفهم كدعوة للتكاثر غير المحسوب، بل كملاحظة تنبه إلى أن النساء في المناطق الهامشية، اللواتي كنا نلومهن على كثرة الإنجاب، قد يكنّ اليوم السد الأخير في وجه الانهيار السكاني. بدل معاتبتهن، ربما الأجدر بنا التفكير في كيف نخلق توازناً بين الكم والكيف، بين عدد الأطفال وجودة التربية، وبين الحرص على الخصوبة وتحقيق العدالة الاجتماعية.
ما نحتاجه اليوم ليس فقط وعياً فردياً، بل رؤية وطنية شاملة تدمج السياسات الصحية، والتعليمية، والسكنية، والتحفيزات الاجتماعية لدعم الأسر وتشجيعها على الإنجاب، لا عبر الإلحاح العددي، بل بضمان حياة كريمة وبيئة مستقرة.
المعادلة ليست سهلة، لكنها ضرورية. فالمجتمعات التي تفقد أطفالها، تفقد مستقبلها.