الاخبار كلمة الرأي

حين تندثر القيم، تنهار الأخلاق

The short URL of the present article is: https://gmedianews.ma/i4cd

بلال الهلاوي

يتكوَّن المجتمع من طوائف شتّى تتباين طرائق تفكيرها ومدارج وعيها، ولكلِّ مجتمعٍ بِنْية مخصوصة تُميِّزُه عن سائر الأُمم، فإذا نُقِلَت خصيصةٌ من بيئة إلى أُخرى انفصمت عن أصلها وفَشِلَ التطعيم؛ إذ لا تلائم طبيعة المنقول إليه.

فلو رام المرءُ إنزال عادات المجتمعات الإسلامية على الشعب الأمريكي، لما استقامت الحال؛ فلن ترى شوارعَ نيويورك أو ميامي أو حتى واشنطن تغصُّ برجال ونساء يتلفَّعون بالأزياء الوقورة التي يألفها المسلمون، وستأبى نساء كثيرات لُبْسَ الحجاب بدعوى الحرية ــ أو ما أُسمِّيه فوضى مُستطيلة ــ إذ ليست الحرية تفلُّتًا من الضوابط الشرعية أو نواميس المعاش.

وعلى الضفّة المقابلة، غزت ثقافة الأمريكان ربوعَنا العربية منذ القرن التاسع عشر إلى مطالع القرن الحادي والعشرين، بدءا ببهارج هوليوود ولا سيّما أفلام “الكاوبوي” ذي القلنسوة والمهماز والمسدّس، وقد شاع سِرْوالُه (الذي سُمِّي لاحقا بالجينز) في الآفاق، فأخذ شبابُنا يقتنيه، مُعرضين عن لبوسهم الأصلي؛ حتى غدا مَن يرتدي “الجلابة” مَعْرِضَ سخرية كأنه يرتدي ثوبَ مهرِّج.

وفي أواخر القرن العشرين دبَّت موضة نسوية مستوردة؛ فانصرفت الفتياتُ عن ملابس الأمهات والجدّات، وأُغرمن بالسراويل القصيرة أو الممزقة عند الركبتين و”الميني جيب” والقمصان القصيرة الكاشفة عن السُّرَّة، وغيرها من ملبوسات أمريكية صدرت بحذق إلينا، فهل ارتضت أمريكا الاكتفاءَ بذلك؟ كلا؛ بل أتبعت الملبسَ بالغناء، فصارت موسيقاها تتصدَّر مشهد الفنّ العالمي.

فالراب والهيب‑هوب والروك والبوب، فاللون الأول نشأ في الأحياء الفقيرة بالولايات المتحدة؛ إذ كان الزنوج يُفرِّجون بها عن مكابداتهم، فنشأ فنٌّ بلا عقال ولا تقنين، واتُّخذ سبيلا صريحا للتعبير، وقد لاءم البيئةَ التي نبت فيها، لكن أيسوغ أن يُغْرَسَ في تربتنا العربية‑الإسلامية؟

إنّ مجتمعاتنا محافظةٌ لا ترتضي الانفلات الأخلاقي؛ فالأسرة المسلمة تُنكِر الكلامَ السوقيَّ الفاحش، ولا يطيق الوالدان سماع ابنٍ أو ابنةٍ يلغو بلغةِ “الزنقة”، ذلك كلام سفساف يُذهب المروءةَ ويُبدي عجزَ صاحبه عن البيان الرصين، وهو أحرى أن يُجلَبَ بين الأزقّة لا في حرَم الدار، فمن غير السليم أن يكون ذلك بين الأزواج الأقرب من بعضهما البعض؛ فكيف إذا صار يُذاع على الملأ عبر قنوات عموميّة فيطالعه الصغير والكبير؟ كيف نقنع النشء بأنّ الأدب والجد هما السبيل إلى الرفعة، وهم يشهدون تافهين يكتسبون الأموالَ بأقلّ جهد في سوق “التكليخ” و “التهريج”، فيما يُهان الطبيب والمعلّم ويُدَارُ حقُّهما؟

لقد صدَّرت لنا أمريكا الراب، ورحَّلْنا إليها ــ بلهفة ــ عقولا فذّة في شتّى المعارف، فهذا الدكتور منصف السلاوي، أحدُ أركان الصناعات الدوائية، قاد جهدَ تطوير لقاح كوفيد‑19؛ وتلك الدكتورة كوثر حفيظي، أوّلُ امرأة مغربية و من شمال إفريقيا تتولى إدارةَ قسم الفيزياء بمختبر أرغون الوطني؛ وذاك المهندس كمال الودغيري، رائدُ الاتصالات في وكالة ناسا؛ وهذا المخترع مجيد البوعزاوي الذي أبهر شركة سامسونغ بابتكاراته… هؤلاء وغيرهم انتفعتْ بهم الولايات المتحدة، وأصابنا نحن سَهمٌ من الراب وغواشيه، حتى صار حُلْمُ الطفل والمراهق أن يغدو “فنان راب” و بالتالي ضيّعنا البوصلة التي يسَّرت لكولمبس بلوغ العالم الجديد.

The short URL of the present article is: https://gmedianews.ma/i4cd

الإعلام الأخضر

About Author

اترك تعليقاً

اشترك معنا

    ننطلق من إيمان عميق بأن البيئة ليست مجرد إطار خارجي لحياتنا، بل هي امتداد لصحتنا النفسية والجسدية،

    جريدة إلكترونية مغربية شاملة، متخصصة في قضايا الفلاحة، التنمية القروية، البيئة… وكل ما يربط الإنسان بالأرض والطبيعة من حوله.

    Gmedianews @2023. All Rights Reserved.