تحلّ اليوم الذكرى الثانية والسبعون لثورة الملك والشعب، الحدث الذي لا يزال راسخًا في وجدان المغاربة، ليس فقط كصفحة من التاريخ، بل كرمز لتلاحم قلّ نظيره بين القيادة والشعب، في مواجهة الاستعمار الفرنسي، ولصناعة لحظة وطنية مفصلية مهّدت للاستقلال السياسي والسيادة الوطنية.
20 غشت 1953: بداية شرارة الثورة
في هذا اليوم من سنة 1953، أقدمت السلطات الاستعمارية الفرنسية على نفي السلطان محمد بن يوسف (الملك محمد الخامس لاحقًا) وعائلته إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر، بعد رفضه التوقيع على وثائق تخدم مصالح الاحتلال، وإصراره على الدفاع عن وحدة المغرب وهويته الإسلامية.
لم يكن النفي مجرّد إجراء إداري، بل كان إعلانًا ضمنيًا من فرنسا بأن المغرب لم يعد له ملك شرعي. لكن الرد الشعبي كان أعنف من توقعات المستعمر؛ إذ اندلعت موجات مقاومة في كل أرجاء البلاد، وبدأ المغاربة من كل الفئات الاجتماعية والسياسية يتحركون تحت شعار: “الملك رمز البلاد.. لا وطن دون سلطان الأمة.”
التحام نادر بين الشعب وملكه
لقد مثلت هذه الثورة واحدة من أنبل صور التضامن الوطني. لم تكن ثورة نخبة أو جيش نظامي، بل انتفاضة شعب بأكمله. وكانت أيضًا لحظة تجاوزت الخلافات الإيديولوجية، حيث توحّد الوطنيون، الإسلاميون، اليساريون، والقبائل والمجتمع المدني خلف راية واحدة: عودة السلطان وإجلاء الاستعمار.
المقاومة الشعبية اتخذت طابعًا مسلحًا ومدنيًا، من تفجيرات واستهداف مراكز الاستعمار، إلى حملات تعبئة سياسية وتثقيفية، مما جعل فرنسا تفهم أن رهانها على “بديل للملك” قد فشل فشلاً ذريعًا.
16 نونبر 1955: عودة الملك وبداية الاستقلال
بعد سنتين من النفي والمقاومة، رضخت فرنسا للواقع، وأعادت السلطان محمد الخامس إلى أرض الوطن في مشهد أسطوري، استُقبل فيه استقبال الأبطال. وبعد أقل من عام، تم إعلان استقلال المغرب سنة 1956، وتحوّلت هذه الثورة من لحظة مواجهة إلى عنوان لبداية بناء الدولة الوطنية الحديثة.
الذكرى اليوم، روح وطنية ومراجعة ضرورية
تعود الذكرى كل عام، لتحيي في المغاربة ذلك المعنى العميق للوطنية الصادقة، ولتذكرهم أن الاستقلال لم يكن هدية، بل ثمرة تضحيات جسيمة. ولكنها تعود أيضًا لتطرح أسئلة صعبة: هل ما زلنا أوفياء لروح ثورة الملك والشعب؟ هل ما زال المشروع الوطني في مساره؟ وهل نملك الجرأة لمواجهة التحديات الداخلية بنفس روح المقاومة والتلاحم؟
إن تخليد هذه الذكرى يجب أن يتجاوز الطقوس الرسمية، ليكون لحظة حقيقية لمساءلة الذات الجماعية، ولتجديد العهد مع المبادئ التي قامت عليها تلك الثورة: الكرامة، السيادة، الوحدة، والعدالة الاجتماعية.