كشفت تحقيقات قضائية باشرتها السلطات الإيطالية عن تورط شركة مغربية تنشط في قطاع الأسماك بمدينة القنيطرة، في شبكة مافيا دولية يقودها رجل الأعمال الإيطالي إيمانويل كاتانيا، المرتبط بإحدى أبرز العائلات المافيوية في جزيرة صقلية.
وحسب معطيات حصلت عليها وسائل إعلام إيطالية، فإن الشركة المعنية، التي تحمل اسم “كاسترونوميا نابوليتانا” (Gastronomia Napoletana)، استُخدمت كواجهة قانونية لغسل الأموال المتأتية من أنشطة إجرامية، من ضمنها الاتجار غير المشروع في المنتجات البحرية.
شركة مغربية في قلب التحقيق
تشير وثائق التحقيق إلى أن الشركة، التي تأسست سنة 1998 في أكادير قبل أن تنقل مقرها إلى ميناء المهدية بالقنيطرة عام 2001، تم تسجيلها كشركة مغربية ذات مسؤولية محدودة (SARL)، وتعمل برأسمال قدره 650,000 درهم. ووفق بياناتها الرسمية، تشغّل ما بين 200 و500 موظف، ويُقدّر رقم معاملاتها السنوي بين 50 و100 مليون درهم.
وقد عُرفت الشركة كفاعل رئيسي في سلسلة توريد المنتجات البحرية داخل المغرب وخارجه، واستفادت من موقعها الجغرافي لتعزيز تجارتها مع أوروبا وشمال إفريقيا.
مخطط واسع لغسل الأموال
التحقيقات التي قادتها مديرية مكافحة المافيا في كالتانيسيتا، كشفت أن الشركة المغربية كانت جزءًا من شبكة مالية يديرها كاتانيا، لحساب عشيرة “رينزيفيلو”، وهي واحدة من أخطر العائلات المافيوية في مدينة جيلا بصقلية.
وأسفرت عمليات الحجز عن مصادرة أصول بقيمة 50 مليون يورو، من ضمنها عقارات، قوارب صيد، حسابات مالية، وأسهم شركات، بعضها مسجّل باسم “كاسترونوميا نابوليتانا”.
وبحسب صحيفة “إنفورماسيوني” الإيطالية، فإن هذه العمليات تُعد جزءًا من خطة تفكيك الشبكات الاقتصادية للمافيا، التي تسعى لفرض سيطرتها على قطاع الأسماك في صقلية، عبر شركات خارجية تعمل كغطاء قانوني.
كاتانيا.. ذراع المافيا الاقتصادية
التحقيقات أكدت أن إيمانويل كاتانيا كان الذراع الاقتصادية لعشيرة رينزيفيلو منذ التسعينيات، ونجح في بناء شبكة تجارية معقدة تعتمد على التهديد، الحماية، وغسل الأموال. وقد وصفه القضاة بأنه “رجل أعمال موثوق” لدى زعيم العشيرة سالفاتوري رينزيفيلو.
وكان كاتانيا قد أدين نهائيًا سنة 2024 من قبل المحكمة العليا الإيطالية بتهمة الانتماء إلى منظمة مافيوية، بعد أن أُلغي الحكم الابتدائي الذي برّأه في وقت سابق.
التغلغل في السوق المغربي
تشير وثائق المحكمة إلى أن شركة “كاسترونوميا نابوليتانا” لعبت دورًا محوريًا في استراتيجية العشيرة لاختراق السوق المغربي وشمال إفريقيا، مستغلة الثغرات التنظيمية في قطاع الصيد البحري. كما أُدرجت أنشطة كاتانيا ضمن ممارسات مافيوية تهدف إلى تشويه المنافسة واحتكار السوق.
من جانب آخر، كشف تقرير المعهد الإيطالي لتحليل الأصول عن تضخّم غير مبرّر في رأس المال المستثمر، وتضارب كبير بين الدخل المصرّح به والاستثمارات المحققة، خاصة خلال الفترة ما بين 1998 و2007.
مخطط ممتد بين المغرب وصقلية
تؤكد التحقيقات أن الشبكة الإجرامية نجحت، طيلة عقود، في إعادة تدوير الأموال غير المشروعة من خلال واجهات قانونية تمتد من صقلية إلى المغرب، في مشروع منظم لاختراق الاقتصاد القانوني، مستغلةً الهشاشة في مراقبة قطاعات حساسة مثل المنتجات البحرية.
وقد شملت التحقيقات أكثر من 45 شخصًا وكيانًا قانونيًا على ارتباط مباشر بالشبكة، فيما تم تسجيل بعض الأصول باسم شقيق كاتانيا، أنطونيو كاتانيا، الذي لم يُدان قضائيًا بعد، لكنّه يعتبر طرفًا فاعلًا في الشبكة.
السلطات المغربية في دائرة الضوء؟
ولم تُصدر السلطات المغربية بعد أي توضيحات بشأن هذه القضية، إلا أن تورط شركة مغربية في شبكة دولية لغسل الأموال يسلط الضوء على ضرورة تعزيز آليات الرقابة الاقتصادية والمالية، خصوصًا في القطاعات الحساسة التي تشهد نشاطًا دوليًا كثيفًا، كقطاع الصيد البحري.
المصدر: lasicilia