أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلاً واسعًا عقب تصريحاته خلال اجتماع لمجلس الوزراء في البيت الأبيض بتاريخ 26 غشت 2025، حيث قال: «لابد أن هناك شيئًا يتسبب في ذلك بشكل صناعي، أعني دواء أو شيئًا من هذا القبيل»، في إشارة إلى ارتفاع معدلات تشخيص التوحد.
هذه الكلمات، التي بدت في ظاهرها عفوية، حملت في طياتها عودة لنقاش قديم ومثير للجدل في الولايات المتحدة وحول العالم، يتعلق بالربط غير المؤسس علميًا بين اضطراب طيف التوحد واللقاحات أو الأدوية. وقد زاد من حدّة الجدل كون الاجتماع حضره روبرت كينيدي جونيور، المعروف بمواقفه المتشددة ضد اللقاحات، والذي عرض بيانات اعتبرها “مقلقة” بشأن انتشار التوحد في المجتمع الأمريكي.
الوسط الطبي والعلمي لم يتأخر في الرد، حيث أكد خبراء الصحة العامة والباحثون أن التوحد اضطراب نمائي عصبي معقد، وأن الأبحاث الممتدة لعقود لم تجد أي علاقة سببية بينه وبين اللقاحات أو الأدوية. بل إن الهيئات الطبية الكبرى مثل “مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها” (CDC) و”منظمة الصحة العالمية” شددت على أن نشر مثل هذه الادعاءات يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة، أبرزها تراجع الثقة في التلقيح وارتفاع خطر تفشي أمراض معدية كانت تحت السيطرة.
تصريحات ترامب ليست جديدة على الخطاب السياسي الأمريكي، حيث سبق أن تبنى خلال حملاته الانتخابية مقولات مشابهة دون سند علمي، مستغلًا القلق الشعبي من زيادة نسب تشخيص التوحد. لكن هذه المرة جاءت في سياق رسمي وعلى أعلى مستوى من مؤسسات الدولة، ما جعلها أكثر خطورة من الناحية السياسية والاجتماعية.
الانتقادات التي وُجّهت لترامب ركزت على نقطتين أساسيتين: أولاً غياب المسؤولية في إطلاق تصريحات حساسة دون الاعتماد على دراسات علمية، وثانيًا تأثيرها على السياسات الصحية في بلد ما زال يواجه تحديات كبيرة في ما يخص الثقة بين المواطنين والمؤسسات الصحية.
في النهاية، يظهر أن الرئيس الأمريكي اختار من جديد أن يوظف خطابًا مشحونًا بالعاطفة ويغفل الأساس العلمي، وهو ما يطرح تساؤلات حول حدود الشعبوية في القضايا الصحية، وحول قدرتها على زعزعة ثقة الشعوب في العلم، في زمن تُعتبر فيه هذه الثقة صمام الأمان لمواجهة الأزمات الصحية العالمية.
