كشفت صحيفة إل بوليتيكو الإسبانية عن تجاوزات وصفت بـ”الخطيرة” في حق عاملات مغربيات انتقلن إلى إسبانيا للعمل الموسمي في قطاع الفلاحة، خاصة بجني الفراولة والتوت في إقليم هويلفا، وذلك في إطار برنامج التعاقد من بلد المنشأ المعروف بـ”GECCO”.
التحقيق سلط الضوء على حالتين إنسانيتين لافتتين لعاملتين موسميتين مغربيتين، تجسد كل منهما واقعًا هشًا تتداخل فيه الانتهاكات القانونية والاجتماعية. الحالة الأولى تتعلق بسيدة حامل في شهرها الخامس، وصلت إلى إسبانيا مطلع أبريل للعمل، لكنها أعيدت إلى المغرب دون أن تحصل على عقد عمل أو أي وثائق رسمية، فيما الحالة الثانية تخص سيدة أخرى كانت تعمل منذ سنوات في نفس القطاع، وتم ترحيلها بعد تشخيص إصابتها بسرطان عنق الرحم، دون استكمال علاجها.
وبحسب الصحيفة، فقد قُدر عدد العاملات المغربيات اللواتي شاركن هذا الموسم في جني الفواكه الحمراء بنحو 17,000 امرأة، بينهن 4,000 لأول مرة. غير أن المئات منهن وجدن أنفسهن دون عقود موقعة أو بطائق إقامة أجنبية (TIE)، مما وضعهن في وضع قانوني هش وسط غياب الضمانات الأساسية التي ينص عليها البرنامج.
وأكدت إحدى النقابات العمالية التي تبنت ملف العاملات أن الشركة المشغلة توقفت عن تشغيلهن بعد فترة قصيرة من الوصول، مكتفية بتوفير السكن دون أي التزامات أخرى. وأشارت النقابة إلى أن العاملات لم يتلقين أجورهن ولم يتم تسجيلهن بشكل قانوني، مما أدى إلى تدهور أوضاعهن المعيشية، خصوصًا وأن معظمهن حولن أجورهن إلى عائلاتهن على أساس استمرارية العمل.
في ظل هذه الظروف، وُجهت إليهن ضغوط من مسؤولي المزرعة للعودة إلى المغرب بـ”وسائلهن الخاصة”، دون أي تعويض أو توضيح حول مصير عقودهن، قبل أن يتدخل الاتحاد النقابي ويجبر الشركة على توقيع العقود وتقديم كشوف الرواتب وبدء إجراءات إصدار الوثائق القانونية.
أما الحالة الثانية، التي أثارت مشاعر التعاطف والغضب، فتتعلق بعاملة مغربية تدعى “زهرة”، وهي أم لستة أطفال ومطلقة، كانت تعمل لسبع سنوات ضمن برنامج GECCO. ورغم سنوات العمل والاشتراك في الضمان الاجتماعي، تم ترحيلها إلى المغرب عقب تشخيص إصابتها بالسرطان، ما أدى إلى حرمانها من العلاج المجاني الذي كانت تستفيد منه في إسبانيا.
ورغم تبريرات أرباب العمل الذين قالوا إن زهرة طلبت العودة طواعية نظرًا لسوء حالتها الصحية، إلا أن إحدى الجمعيات المعنية بالدفاع عن حقوق العاملات الموسميات أكدت أن المعنية بالأمر تعيش في وضع مأساوي، وتبكي باستمرار بسبب آلامها وعجزها عن توفير مصاريف العلاج في المغرب، حيث الرعاية الصحية مكلفة للغاية.
وشددت الجمعية على ضرورة احترام حقوق هذه المرأة، التي أمضت سنوات في العمل الشريف وساهمت في دعم القطاع الفلاحي الإسباني، معتبرة أن طردها بهذه الطريقة يمس إنسانيتها وحقوقها القانونية، خاصة أنها كانت تستحق إجازة مرضية ورعاية طبية بموجب القانون.
ويعيد هذا التحقيق إلى الواجهة إشكالية ظروف العاملات الموسميات في أوروبا، وضرورة مراجعة الضمانات القانونية والحقوقية التي يُفترض أن ترافق برامج التعاقد مع اليد العاملة الأجنبية، بما يضمن الحد الأدنى من الكرامة والعدالة الاجتماعية.