فتحت المفتشية العامة للمالية تحقيقات مكثفة في صفقات الدراسات التي أبرمتها مؤسسات ومقاولات عمومية خلال الثلاث سنوات الماضية، كلفت خزينة الدولة مبالغ ضخمة. التحقيق مستند إلى محاضر التأشير وتقارير افتحاص داخلية، كشف عن اختلالات مؤسسية وخروقات مسطرية في تفويت هذه الصفقات دون احترام مبادئ الشفافية والمنافسة..

التحقيقات الأولية ركزت على صفقين من مكتبين محليين وآخر دولي منشطين في قطاعات استراتيجية. الصرف تم مقابل دراسات لم يتم تطبيقها فعليًا، ولم يرد أثر ملموس على أرض الواقع رغم التكاليف المرتفعة، مما أثار التساؤلات حول جدوى هذه الاستثمارات .

أظهرت نتائج التحقيقات وجود علاقات قرابة أو مصالح مشتركة بين بعض مسؤولي مكاتب الاستشارة ومسؤولين سامين داخل المؤسسات العمومية، ما سهّل تمرير صفقات معينة دون خضوعها لمنافسة نزيهة أو إعلان استثماري رسمي، في تجاوز صارخ للقوانين المعمول بها .
تُشير مصادر إلى أن الوزارة المعنية توجهت بـ تشديد الرقابة وتعزيز الشفافية. وقد أشارت تقارير وزارة الاقتصاد والمالية إلى بدء تطبيق مراقبة متعددة الأبعاد تشمل المراقبة القبلية والمواكبة والبُعدية إضافة إلى الرقابة التعاقدية على المؤسسات العمومية . كما أعلنت المديرية المكلفة بالمنشآت العمومية أنها تتابع أكثر من 270 مؤسسة عمومية ضمن خطة إصلاحية شاملة لتحسين الحكامة والحد من التبذير .

من المرتقب أن ترفع المفتشية تقاريرها النهائية إلى الجهات القضائية أو المجلس الأعلى للحسابات، مما قد يؤدي إلى إحالة ملفات على القضاء وربط المسؤولية بالمحاسبة. وتبيّن هذه الخطوات حجم التحديات التي تواجه نظام الحكامة، وتبرز الحاجة الملحة لإعادة هندسة آليات إبرام صفقات الدراسات، لضمان الشفافية وتوقيف قنوات تبديد المال العام تحت غطاء “الخبرة والتخطيط” .

ترى هذه التحقيقات أن النظام الحالي لإبرام صفقات الدراسات العمومية غير متماسك، إذ تنخرط فيه تجاوزات مالية وقانونية تهدد المردودية الكلية للصفات، وتحرم الدولة من موارد مالية كان يمكن استثمارها بصورة أفضل في مشاريع ذات أثر مباشر على التنمية. تبقى الخطوة الأهم إعادة تأسيس منظومة شفافة وعادلة تضمن تفعيل المنافسة ومساءلة القائمين على إدارة المال العام.