في ندوة صحافية عقدها بنك المغرب يوم الثلاثاء، كشف عبد اللطيف الجواهري، والي المؤسسة، عن تصور شامل يروم التصدي لتزايد ظاهرة الاعتماد على المعاملات النقدية (الكاش) في المغرب. واعتبر الجواهري أن هذا التوجه بات يُشكّل عائقاً أمام جهود الإدماج المالي وتعزيز الاقتصاد الرسمي، مشدداً على أهمية إيجاد حلول عملية تواكب التحول الرقمي وتُقلص من هيمنة النقد الورقي في السوق.
ووفق معطيات رسمية قدمها الجواهري، فإن حجم الكاش المتداول في السوق المغربية بلغ أزيد من 430 مليار درهم، ما يمثل حوالي 30% من الناتج الداخلي الإجمالي. هذا الرقم يعكس اتساع نطاق التعاملات غير البنكية، ويُظهر تحدياً هيكلياً أمام السلطات النقدية والمالية، في وقت يسجل فيه العالم تقدماً متسارعاً في رقمنة العمليات المالية وتحقيق الشمول المالي.
من أبرز المقترحات التي وردت في التصور الذي قدمه والي بنك المغرب، تعزيز استعمال الخدمات البنكية عبر الهاتف المحمول وتوسيع نطاق المعاملات الرقمية، مع تشجيع الابتكار في وسائل الدفع وتحسين البنية التحتية الرقمية. كما لمح الجواهري إلى إمكانية تنظيم ندوة وطنية لعرض التقرير الكامل ومشاركته مع الحكومة والفاعلين المعنيين بمجرد اعتماده بشكل رسمي.
التحرك الجديد يأتي في سياق تسجيل ارتفاع مقلق في تداول “الكاش”، حيث بلغت نسبة النمو 12% سنة 2024، مقارنة بـ7% في السنوات السابقة، وهو ما يدل على استمرار تفضيل شرائح واسعة من المواطنين للتعاملات النقدية على حساب الحلول البنكية الرقمية. واعتبر الجواهري هذا المؤشر بمثابة إنذار يتطلب تعبئة جماعية من جميع الأطراف المعنية لضمان انتقال سلس نحو اقتصاد أكثر شفافية وفعالية.
تُراهن السلطات المالية المغربية من خلال هذه الخطة على تقليص الاعتماد على النقد وتوسيع رقعة الاقتصاد الرسمي، وهو ما سيساهم في تحسين تعبئة الموارد الجبائية، وتقوية الثقة في النظام البنكي، وتعزيز الشفافية المالية. كما أن الانتقال الرقمي يُعد عاملاً محورياً في تقليص الاقتصاد غير المهيكل وفتح المجال أمام فئات واسعة من المواطنين للولوج إلى الخدمات المالية بسهولة وأمان.
تُظهر تقارير البنك الدولي أن المغرب يُصنف من بين الدول التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على النقد في المعاملات اليومية، في حين أن دولاً مجاورة مثل مصر وتونس حققت تقدماً نسبياً في توسيع نطاق المدفوعات الرقمية. وفي تقرير لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، تم التأكيد على أن تعزيز البنية التحتية الرقمية وتشجيع ثقة المواطنين في النظام البنكي يُعدّان من الركائز الأساسية لتقليص المعاملات النقدية وتحقيق الشمول المالي.
أمام التحديات الاقتصادية والمالية المتزايدة، تتضح أهمية التحرك الذي يقوده بنك المغرب كخطوة استراتيجية لضبط تداول النقد وتحفيز الانتقال نحو اقتصاد رقمي شفاف. غير أن نجاح هذه المبادرة يظل رهيناً بمدى تفاعل الفاعلين الاقتصاديين، والبنوك، والحكومة، لضمان تحول مستدام وشامل، يُسهم في استقرار المنظومة المالية الوطنية.