دار بوعزة، أحد الأماكن التي يقصدها الناس طلبًا لهدوء البحر وهواء الانفكاك من صخب المدينة، تحوّلت فجأة إلى مسرح صغير لعرض متكرر، رجل يطلب مالًا مقابل ركن سيارة في موقف مجاني، والسلطة تتدخل بسرعة لإيقافه. مشهد قصير في الزمن، لكنه طويل في دلالاته.

الوجوه تتغير، لكن السيناريو واحد: شاب أو رجل متوسط العمر، يقف وسط الشارع أو عند مدخل موقف، يشير بيده كما لو أن المكان مُلك خاص ورثه عن أجداده، يطلب “ثمن الركن” بثقة غريبة، وقدرة أعجب على الإلحاح بل والتهديد إن لزم الأمر. هذا النموذج صار له اسم يتداوله الناس ساخرين وغاضبين: “بارد الكتاف”.

نحن لا نتحدث هنا عن من يعيل نفسه بحراسة منظمة وبترخيص قانوني، بل عن من يحتل الفضاء العام بدون وجه حق، ويوزّع الإتاوات كأنها ضرائب محلية، يقررها مزاجه، ويدعمها غياب الرقابة. هؤلاء لا علاقة لهم لا بالحراسة ولا بالأمن، بل هم جزء من فوضى أكبر تتسرب من الشارع إلى الوعي الجماعي، وتحفر في صورة المدينة وثقة الناس فيها.

الخطير أن هذا المشهد لا يُزعج فقط المغاربة الذين ألفوا هذا النوع من الابتزاز المقنّع، بل يُصدم به السياح القادمون بشيء من الأمل. فهل يعقل أن يُستقبل سائح في بلدٍ يروّج للجاذبية والانفتاح، بشخص يفرض عليه دفع ثمن موقف مجاني تحت أنظار الجميع؟ هل هذه هي صورة البلد التي نريد تصديرها؟

إننا اليوم لا نواجه مجرد ظاهرة عابرة، بل مرضًا يتسلل إلى نسيجنا الحضري، عنوانه “من يأخذ ما لا يملك، لا أحد يمنعه”. وهنا يكمن جوهر المعضلة: حين يغيب القانون، يظهر باردو الكتاف.

المطلوب ليس فقط تدخلًا ظرفيًا لسلطة محلية تعالج الحالة بالمسكنات، بل مقاربة شاملة تبدأ بتأطير من يستحق التأطير، وتنتهي بتفكيك منظومة الصمت التي تسمح لهؤلاء بأن يصبحوا “أسياد الزنقة” بلا وجه حق.

لأن الفضاء العمومي، إن تُرك للفراغ، احتلّه من لا يؤمن لا بالنظام ولا بالمصلحة العامة. ولأن القانون، إن لم يكن حاضرًا بقوة، سيظل المواطن البسيط والسائح الغريب، يدفعان ثمن لا أحد يعرف أين يذهب… سوى في جيب “بارد الكتاف”.