كلمة الرأي مجتمع

المودة والرحمة: معجزة الزواج التي لا تكتمل إلا بالعطاء

The short URL of the present article is: https://gmedianews.ma/svwb

إيمان بوحزامة

حين تحدث الله عز وجل عن العلاقة الزوجية في كتابه الكريم، لم يختر كلمات عابرة، بل اختار مصطلحين يحملان من العمق والإعجاز ما يروي ظمأ النفوس الباحثة عن الأمان: المودة والرحمة.

“وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً”.

لم يقل حبًا، لم يقل شغفًا، بل قال “مودة”، والمودة مشتقة من الودّ، والودّ، كما بيّنه العلماء، أرقى درجات الحب لأنه عطاء غير مشروط. أن تعطي الآخر دون حساب، دون أن تسأل نفسك إن كان يستحق، دون أن تُحصي المرات التي قدمت فيها، ودون أن تنتظر شيئًا في المقابل.

أما الرحمة، فهي أن تغفر، أن ترفق، أن تحتوي الآخر في ضعفه، في زلّاته، في تقلبات مزاجه وأخطائه، لأنك تعرف أن كما لك هفوات، له أيضًا.

وعندما تتأمل ترتيب الكلمتين، تجد أن “المودة” جاءت أولًا، لأنها هي البذرة، هي النية الطيبة، هي الدفء اليومي الذي يشعل القلوب. أما “الرحمة”، فهي ما يحفظ هذه العلاقة حين تهب عليها رياح الخلاف، وحين تتعب الأرواح.

ويزداد الإعجاز حين نربط هذا بما قالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عن حديث جلسة “الحادية عشرة امرأة”، حيث جلست نساء يحكين عن أزواجهنّ بكل صدق. الحديث الذي رواه البخاري، فيه وصف كل امرأة لزوجها، بأسلوب صادق يحمل أبعادًا نفسية واجتماعية وإنسانية عميقة.

وكان من بين هؤلاء النساء، امرأة وصفت زوجها بقولها:
“زوجي أبو زرع، فما أبو زرع؟! أناسَ من حليّ أذني، وملأ من شحم عضدي، وبجّحني فبجّحت إلي نفسي…”
حديث فيه تفاصيل دافئة عن الكرم، الحنان، الاحترام، الأمان… إلى أن قالت: “لكن طلقني فبتّ طلاقي.”

وهنا كانت المفاجأة…
فقال لها النبي ﷺ:
“كنتُ لكِ كأبي زرع لأم زرع، غير أني لا أطلقكِ.”

هل كان هذا فقط ردًا عاطفيًا؟
لا. كان مشاركة وجدانية، استماعًا صادقًا، واحتفاءً بقصة نسائية، قد تبدو “عادية”، لكن لها مكانها في قلب رسولٍ لا يُهمل التفاصيل التي تهم زوجاته. هو القائد، النبي، المشغول برسالة وبتدبير أمة… لكنه وجد الوقت، والرغبة، والمساحة النفسية ليكون زوجًا يستمع، يحاور، ويتفاعل.

العلاقة الزوجية حين تقوم على “المودة والرحمة” تصبح فعلاً معجزة، لا لأن الزواج نادر، بل لأن الاستمرار فيه بنفس الشغف، بنفس الكرم، بنفس الاحتواء… هو المعجزة الحقيقية.

أن تزرع الودّ دون شرط، أن تكون كريمًا بالعاطفة، بالكلمة، بالحضور، دون أن تراقب المقابل… هذا هو الزواج في صورته القرآنية.

ولعلّ الإشارة الجميلة في قوله تعالى:”كما ربياني صغيرا”، فيها سرّ آخر…فمن يربّي بعطاء، يجني أثره يومًا.ومن يزرع في الآخر احترامًا ورفقًا، يجني راحة وسكينة.

إنها دعوة لوعيٍ جديد في العلاقات، أن نتحرر من منطق “أعطني أعطك”، ونرتقي إلى أحبك فأعطيك، حتى وإن لم تُعطني… لأنني أؤمن أنني أزرع في أرضي، وسأجني يوماً ما زرعت.

The short URL of the present article is: https://gmedianews.ma/svwb

إيمان بوحزامة

About Author

اترك تعليقاً

اشترك معنا

    ننطلق من إيمان عميق بأن البيئة ليست مجرد إطار خارجي لحياتنا، بل هي امتداد لصحتنا النفسية والجسدية،

    جريدة إلكترونية مغربية شاملة، متخصصة في قضايا الفلاحة، التنمية القروية، البيئة… وكل ما يربط الإنسان بالأرض والطبيعة من حوله.

    Gmedianews @2023. All Rights Reserved.