ياسين برقاد
كنت أظن، أن الدروس التي لُقِّنت لنا في كتب التاريخ في مختلف المراحل الدراسية، ما هي إلا ماض مرير، قصص تروى، وحكايات انتهى أثرها.
كنت أظن، أن الحروب بما حملته من قتل ودمار وإبادة، هي دروس وعبر يتعلم منها الإنسان اليوم ليوقظ ضميره ويعيش حياة أكثر تعايشا وسلاما.
كنت أظن، أن ما قرأناه عن الطغاة والإمبراطوريات الطاغية، عن عصر تحكمه شريعة “القوي يأكل الضعيف” قد ولّى وانتهى.
كنت أظن، أننا من خلال العلم والبحث والمعرفة قطعنا أشواطا طويلة لتحقيق حياة أكثر عدلا، ورفقا بالإنسان، بالحيوان والطبيعة.
كنت أظن، أن العالم وقد شهد أربعة ثورات كبرى، الصناعية، الكهربائية، الرقمية، والآن انطلقت شرارة ثورة الذكاء الاصطناعي، قد بلغ قمة الإبداع، قمة النضج، قمة الاكتشافات والابتكارات، وقمة الأخلاق.
كنت أظن هذا التطور الرقمي الذي وصلت إليه البشرية، سيكون بوابة الخلاص من الحروب، الدماء، الجهل، الفقر، المرض.
كنت أظن أن ذكاء وعبقرية الإنسان سيحررنا من لعنة الغريزة الحيوانية التي تسكننا، وسنرتقي إلى مرتبة عليا يستحقها الإنسان.
كنت أظن أن الإنسان الذي وصل إلى القمر، الذي اكتشف مليارات المجرات والكواكب والنجوم في هذا الكون، الذي يبحث عن شروط الحياة ليسكن في كوكب المريخ، قد تجاوز الصراعات والأنانية في السيطرة على كل شيء.
كنت أظن أن الإنسان قد فهم أن الحضارة أسمى هدف يحققه، وليس السلاح الأقوى، والسيطرة العظمى، والطموح الأعمى.
لكن، الواقع يخبرنا بخلاف ما نظن للأسف!!
تبخرت كل ظنوني، أمام ما نراه اليوم في غزة، من تجويع، تقتيل، تدمير، ونزوح أمام هذا العالم البئيس.
خابت كل ظنوني، حيث نرى اليوم أن التاريخ يعيد نفسه بأسلحة أشد فتكا، بدبابات أكثر تطورا، بصواريخ أكثر دقة، بطائرات عسكرية ذاتية القيادة، وبخوارزميات أكثر تعقيدا.
خاب ظني، حين رأيت الأقنعة تتساقط، الأقنعة التي ترتديها الدول المتحضرة، والمنظمات الحقوقية، ومؤسسات حقوق الإنسان.
خاب ظني، حينما استغلت التقنية لإبادة الإنسان وتدمير البلدان، حينما استُخدم الذكاء الاصطناعي لأهداف عسكرية بالتجسس والتعقب واصطياد الأبرياء، بدلا من أن يكون وسيلة لإنقاذ الأرواح.
خاب ظني حين أرى كيف يقف العالم متفرجا، عاجزا، بل متواطئا بسكوته وخذلانه.
خاب ظني، حينما استعملت التقنيات للتلاعب بالعقول، لبث الخوف، والتحكم بالإعلام لتزييف الحقائق.
أتساءل الآن، إلى أين نسير؟
هل نسير إلى مستقبل أفضل حقا؟
هل هذا التقدم العلمي والتطور الرقمي مجرد وسيلة لإعادة إنتاج السيطرة والهيمنة بطريقة أكثر تطورا؟
أين اختفت قيم التعايش، العدالة، الرحمة، الكرامة؟
أظن الآن، لكن بيقين تام، في خضم هذا الزخم الهائل من التقدم والتطور التكنولوجي، أننا بحاجة إلى ثورة جديدة، ثورة أخلاقية، في زمن اجتاحتنا فيه الثورات المختلفة لكن بدون روح أو معنى، حيث يتم استغلال تقنياتها بأبشع الطرق حين تقع في أياد غير مسؤولة وقلوب بلا ضمير خالية من القيم والأخلاق.
ثورة تضع القيم في قلب كل تقدم وتطور.
ثورة تجعل من الطفل أولوية، لا ضحية.
ثورة تعطي الإنسان قيمته، لا رقما في قائمة الأموات وتقارير اللجوء والنزوح.
ثورة تجعل من الإنسان غاية، لا وسيلة لتحقيق أهداف اقتصادية ومصالح سياسية.
ثورة تعيد تشكيل المفاهيم، وترتيب الأولويات في زمن اختلت فيه الموازين.
نحتاج ثورة أخلاقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى ومسؤولية وأمل، حتى يصبح هذا التقدم تجسيدا للعدل والرحمة والإنسانية، لا للسيطرة.
فالتقدم العلمي والتطور الرقمي بلا أخلاق، هو فراغ يخلو من الروح والمعنى، لا يرقى بالإنسان أبدا.
العالم يتطوّر.. والضمير يُغيّب!!
BY الإعلام الأخضر
- 19/08/2025

The short URL of the present article is: https://gmedianews.ma/4sf1
The short URL of the present article is: https://gmedianews.ma/4sf1