في ظل التحولات التي يعرفها المشهد العالمي، أصبحت قضية الصحراء المغربية محور اهتمام متجدد في السياسات الخارجية لكل من الصين وروسيا، بعدما ظلت لسنوات بعيدة عن دائرة الأولويات بالنسبة لهذين البلدين.
وحسب دراسة صادرة حديثاً عن مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، فإن بكين وموسكو باتتا تنظران إلى هذا الملف من زاوية جديدة، تأخذ بعين الاعتبار رهانات الاستقرار الإقليمي والمصالح الاقتصادية المتزايدة مع المغرب.
وأشارت الورقة البحثية إلى أن الصين، التي كانت تاريخياً حريصة على موقف الحياد، بدأت منذ سنوات في تبني مواقف أكثر مرونة. وقد تجلى هذا التغيير في دعمها لقرارات مجلس الأمن الداعية إلى تسوية سياسية قائمة على الواقعية والجدوى، بل وصوتت لصالح القرار 2602 سنة 2021، في خطوة اعتُبرت حينها مؤشراً واضحاً على تحول موقفها.
أما روسيا، فقد غادرت هي الأخرى مربع الانحياز القديم إلى جبهة البوليساريو، لتتبنى توجهاً أكثر توازناً وواقعية. فقد انتقلت من مرحلة المعارضة المباشرة لبعض قرارات مجلس الأمن إلى اعتماد سياسة الامتناع عن التصويت، مع الحرص على الحفاظ على علاقات مستقرة مع الطرفين: المغرب والجزائر.
ويعود جزء من هذا التحول إلى الدينامية التي عرفتها العلاقات الثنائية بين الرباط وكل من موسكو وبكين خلال العقد الماضي. إذ كانت زيارة الملك محمد السادس إلى روسيا سنة 2016 نقطة فارقة في مسار هذه العلاقات، وأعقبها إعلان شراكة استراتيجية بين البلدين، شمل الاعتراف بأهمية التوصل إلى حل سياسي للنزاع.
على الصعيد الاقتصادي، أوضحت الدراسة أن العلاقات المغربية الصينية عرفت زخماً غير مسبوق، إذ بلغ حجم المبادلات التجارية الثنائية 8 مليارات دولار سنة 2023، مع تطور ملحوظ في الاستثمارات الصينية في مجالات التكنولوجيا والطاقة والصناعة. كما شرعت شركات صينية في إقامة مشاريع نوعية في المغرب، من بينها مصانع البطاريات الكهربائية.
في السياق نفسه، أبدت روسيا اهتماماً متزايداً بالفرص الاقتصادية في المغرب، حيث تم توقيع عدة اتفاقيات في قطاع الصيد البحري، خاصة في المياه الأطلسية للأقاليم الجنوبية.
وترى الدراسة أن موقع المغرب الجغرافي جعله يحظى بأهمية استراتيجية متزايدة في نظر بكين، باعتباره منصة رئيسية في مبادرة “الحزام والطريق”، التي تراهن الصين من خلالها على تطوير ممرات تجارية وبنية تحتية تربط إفريقيا بأوروبا.
أما روسيا، فتسعى للحفاظ على موقعها كطرف فاعل ومتوازن في المنطقة، ما يفسر حرصها على تفادي أي تصعيد أو انحياز قد يؤثر سلباً على مصالحها مع الدول المغاربية.
وبحسب التحليل ذاته، فإن هذه التحولات تمنح المغرب فرصة لتعزيز قنوات الدعم الدولي لمبادرته الخاصة بالحكم الذاتي، في أفق تكريس مقاربة واقعية للنزاع تخدم الاستقرار والتنمية في المنطقة المغاربية.