في سياق النقاش المتجدد حول مستقبل الصحافة المغربية وموقعها في زمن التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، كشفت دراسة مرجعية صادرة عن “المنتدى المغربي للصحافيين الشباب” عن الحاجة الملحة لإعادة النظر في أسس التنظيم الذاتي للمهنة، وتحيين الميثاق الوطني لأخلاقيات الصحافة والنشر، بما يواكب التحديات المتسارعة التي تواجهها غرف الأخبار ومهنيي الإعلام.
الدراسة التحليلية، التي استندت إلى مقاربة مزدوجة تجمع بين التشخيص المؤسساتي والميداني، سلطت الضوء على المكتسبات التي تحققت منذ إحداث المجلس الوطني للصحافة، وعلى رأسها إرساء إطار قانوني للتنظيم الذاتي، وصياغة أول ميثاق لأخلاقيات المهنة في تاريخ المغرب الحديث. غير أن هذه المكاسب، رغم رمزيتها، ما تزال رهينة عدد من التحديات البنيوية، أبرزها محدودية تنفيذ القرارات، وضعف استقلالية المجلس، والإشكاليات المتصلة بتجديد أعضائه.
وبينما يحتدم الجدل داخل الأوساط الصحافية حول فعالية المجلس الوطني وقدرته على ضبط المهنة في ظل تفكك البنية المؤسساتية لبعض المقاولات الإعلامية، تقترح الدراسة خارطة طريق عملية لتجديد أدوات التنظيم الذاتي، تضع في صلب اهتماماتها التحولات الكبرى التي يعرفها المجال، من تفشي الأخبار الزائفة، وتصاعد تأثير المنصات الرقمية، إلى زحف الذكاء الاصطناعي التوليدي على المحتوى الصحفي.
وإذا كان الرهان اليوم يتجاوز مسألة تقنين المهنة إلى سؤال أخلاقي أعمق يتعلق بمسؤولية الإعلام تجاه المجتمع، فإن التوصيات الصادرة عن المنتدى تفتح نقاشا ضروريا حول كيفية إرساء ثقافة مهنية جديدة تضع المواطن في قلب الممارسة الصحافية، دون أن تتخلى عن شروط النزاهة، والتدقيق، والالتزام بالمصلحة العامة.
إن المغرب، في ظل هذه المتغيرات، مدعوّ إلى إطلاق جيل جديد من الإصلاحات الإعلامية، تُنصت لنبض الصحافيين الميدانيين، وتعزز دور التنظيم الذاتي كآلية حقيقية للدفاع عن حرية الصحافة من جهة، والارتقاء بأخلاقياتها من جهة ثانية، في زمن أصبح فيه التحقق من المعلومة، لا نشرها، هو جوهر المعركة المهنية.