السياسات الفلاحية العالمية الجديدة في أفق 2025_2035:
تفاجأ العالم الإنساني بأسره بالتغييرات الإقتصادية والمناخية والوبائية التي لحقت به على حين غفلة، وهو مزهو بحياة الرفاهية والثراء و الإنتاج الوفير من كل ما تجود به الأرض والبحر من ثروات و خيرات.
وكانت الأزمات متتالية:حروب-جفاف-أوبئة-إفلاس…،
أزمات تصدعَ جرائها الكيان الإقتصادي العالمي، نتج عنه الخوف في نفوس الأفراد والجماعات.
ففي ظل التقدم التكنولوجي والعولمة والتقدم العسكري و العلمي و هيمنة الدول الكبرى على الصغرى.
توالي الازمات العالمية و خذلان السياسيين لدولهم.
في ظل كل ذلك تتوالى الأزمات والكوارث التي لاتريد أن تتوقف إلى اليوم؛ فالعالم يلتهب على صفيح ساخن
و تشتد إنعكاسات الأزمات في دول العالم الثالث، و التي هي في طريق النمو، يخذلها سياسييها في مثل هذه الظروف الصعبة و العصيبة.
فالكل مهدد بالمجاعة و المرض والبطالة من دون أدنى استثناء.
وتبقى الفلاحة و الإنتاج الحيواني من القطاعات التي تأثرت بشكل مباشر نتيجة ندرة المياه وقلة التساقطات.
مما دفع الحكومات في مجموع بلدان العالم من التدخل على وجه الإستعجال، لتغيير إستراتيجياتها وبرامجها والبحث عن بدائل وحلول جديدة خصوصا المواد الغذائية والأدوية التي يحتاجها سكان العالم يوميا.
ورغم هذا التدخل السريع من طرف الحكومات من أجل إنقاذ الشعوب من المجاعة، فالوضع ليس بالبساطة التي يمكن تخيلها.
فهناك دول تفوق دول أخرى بعشرات السنين فيما يخص التقدم العلمي و الصناعي بإعتبارهما العاملين الأساسيين لأي تقدم.
فمثلا ألمانيا وفرنسا وروسيا وأمريكا وهولندا وغيرها من الدول الغربية تعتبر مستعدة للتعايش مع هذه الأزمات، لأنها استعدت لها قبل حدوثها منذ زمن و تملك مدخرات و مخزون يحميها من المجاعة و الأمراض الفتاكة.
بينما الدول العربية و الإفرقية التي تعيش على الدعم الدولي و الهبات و الإستيراد فمخازنها من المواد الأولية الغذائية لن تتعدى بضع شهور فقط.
تنمية الإنتاج الحيواني يتطلب مهنية و دقة اكثر في التفعيل.
و معالم المعاناة أصبحنا نعيشها يوميا، وكان من الممكن على الحكومات أن تدبر أمورها منذ سنوات.
لأن الحلول لن تكون أبدا آنية، فمثلا فيما يخص الإنتاج الحيواني لن تستطيع الدولة عبر برامجها السحرية تنمية قطعان من الأبقار و الأغنام المنتجة للحليب واللحوم في مدة وجيزة بين ليلة و أخرى.
نعلم جميعا ان فقدان نسبة من القطيع الحيواني من الابقار و الأغنام كان نتيجة أخطاء في برامج تحسين النسل التي تشرف عليها الجمعيات البيمهنية في هذا المجال.
فتلقيح الأبقار الحلوب بسلالات متخصصة في إنتاج اللحم يعتبر خطأ فادحا ونحن اليوم نجني ثماره
لذلك لابد من التفكير في برامج استعجالية منقذة لعدم الإكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الحيوية.
إن الموضوع يطرح إشكاليات معقدة تتباين و لا تتناغم فيما بينها، فهناك من يساهم في خلق الأزمة وهناك من يستفيد من تبعياتها وهناك من يكون ضحية و فأر تجربة
لعبة سياسية معقدة تقودها دول ضد دول في شكل تحالفات و تكتلات و سيناريوهات سرية.
وتبقى الدول العربية و الإفريقية تابعة لمن تظن أنه الأقوى و المنقذ،وهذا منطق ليس دائم الصواب.
إن برامج التحسين الوراثي الحيواني التي انخرطت فيها دول نامية مثل المغرب تتطلب سنوات لتحقيق نتائج ملموسة و مشجعة ومهما تظافرت الجهود في هذه البلدان لن تحقق ما حققته الدول الغربية في هذا المجال.
فهم من يمتلكون السلالات الجيدة بعد سنوات من البحث و التجارب وهم من ينهون َ أبحاث بعضهم البعض،فالبحث الغربي لايموت أبدا بل هو حي من خلال أبحاثه وأفكاره التي تركها ورائه.
البحث العلمي المستمر هو الحل
إن البحث العلمي المستمر والذي لايموت بموت صاحبه
وهذا ما لا نلمسه في بلداننا الذي ينطلق ولا يستمر، لتمر السنوات ونحن نناقش فقط حول طريقة الإنطلاق من جديد.
وهذا ما نعيشه حاليا ببلادنا “المغرب” في القطاع الفلاحي بشقيه الإنتاج النباتي والحيواني
فرغم الجهود التي تبذل باستمرار من طرف الحكومة في علاج الاختلالات في التسيير التقني-الميداني، و طرح مشاريع ضخمة و ضخ ميزانيات كبيرة لانجاح هاته المشاريع الرائعة على الورق لكن تطبيقها ميدانيا يتطلب الكثير من المهنية و الحرفية ودقة النظر.
يكلف الدعم مبالغ طائلة من خزينة الدولة في القطاع الفلاحي، دون جدوى بسبب السياسيين.
فبرامج الدعم في قطاعي الإنتاج الحيواني والنباتي، تكلف خزينة الدولة مبالغ طائلة في حفر بئر أو تحسين سلالة حيوانية أو إدخال تقنية فلاحية معينة، ومع ذلك نصطدم بظاهرة الغلاء و الندرة و العجز عن تحقيق الإكتفاء الذاتي الغذائي للمواطن البسيط بتكلفة تناسب إمكانياته المادية.
فاللحوم الحمراء لا يتذوقها المواطن الفقير إلا في عيد الأضحى وهذه حقيقة وليست مزايدة “إحصائيات ميدانية”.
لذلك يجب تغيير النظرة المستقبلية لتدبير قطاع الفلاحة بشقيه النباتي والحيواني والبحث عن حلول و رؤى جديدة بديلة.
و لا يجب جعل الممارس للعمل السياسي و الحزبي منتظرا و مقررا و مشرعا في ملفات كبيرة ولها علاقة مباشرة مع الأمن الغذائي للمواطن.
هذا ليس بالكلام الفلسفي، و إنما حقيقة قد يتجاهلها البعض لأنها لا تخدم مصالحه الشخصية.
فكفانا من الحلول الترقيعية التي تزيد المشكل تعقيدا،
فعن أية تنمية فلاحية نتحدث و الجوع يطرق أبواب المواطن !!!
السخاري عبد الكريم