إيمان بوحزامة
كل يوم، يتكرر المشهد ذاته، لا جديد سوى الوجوه المنهكة والتفاصيل الأكثر مرارة. أمهات وآباء، شيوخ وأطفال، يجرفهم الجوع نحو طوابير الذل، لا رفاهية في القرار، ولا مجال للاختيار. إنه مشهد لا يصنعه الفقر فقط، بل تحاصره السياسة، ويخنقه الحصار، وتغذّيه لامبالاة العالم.
في غزة، لم يعد الحديث عن الحصار سياسيًا فقط، بل بات ضرورة أخلاقية وإنسانية. كيف لعالم يدّعي الحداثة والإنسانية أن يقف صامتًا أمام مشهد أناس يزحفون يوميًا وسط الحشود فقط من أجل وجبة؟ وكيف لنا أن نتابع هذه المشاهد عبر الشاشات دون أن نشعر بأننا نشارك، بصمتنا، في استمرار هذه المأساة؟
لقد تحوّل الحصار إلى سياسة تجويع ممنهجة، تتعدى العقوبات الاقتصادية والعسكرية لتطال القوت اليومي للفرد، وتمسّ كرامته وإنسانيته. الحصار لا يمنع فقط دخول الغذاء والدواء، بل يمنع الحياة من الاستمرار بشكل طبيعي. في غزة، لا خيار أمام الناس سوى البقاء أحياء بأقلّ مما يحتاجه الإنسان ليعيش.
المؤلم في الأمر أن هذه الصور، التي كانت تُفجّر فينا مشاعر الغضب والاستنكار يومًا ما، باتت اليوم مألوفة، روتينية. لقد اعتاد المتابعون على مشهد الزحف من أجل الخبز، كما اعتاد أهل غزة على الألم. لكن لا ينبغي للألم أن يتحوّل إلى أمرٍ عادي.
لا يوجد ما يبرر حصار شعب كامل، ولا يمكن لأي حجة سياسية أو أمنية أن تشرعن تجويع الأمهات أو إذلال الآباء أو دفع الأطفال لانتظار وجبة في طابور طويل تحت الشمس. فالسياسة حين تنزع الرحمة من قلبها، تتحول إلى أداة تدمير، لا أداة تنظيم.
غزة ليست فقط قضية فلسطينية، بل قضية إنسانية بامتياز. هي اختبار حقيقي لضمير العالم، ولقدرتنا كأفراد وشعوب على قول “لا” للظلم، ولو بالكلمة.
ربما لا نملك تغيير المعادلة السياسية، لكننا نملك أن نكتب، أن نصرخ، أن نُذَكّر، أن نُحرج هذا الصمت الدولي. نملك أن نرفض أن تتحوّل معاناة شعب إلى خبر عابر، أو إلى صورة تتناقلها الحسابات بلا موقف.
وحتى يأتي يوم تُفك فيه قيود الحصار، ستبقى غزة عنوانًا للصبر، للمقاومة، وللجوع الذي لا ينبغي أن يكون.