في الوقت الذي يُفترض فيه أن تكون مؤسسة الدرك الملكي نموذجاً في التضامن، والانضباط، والعدل الداخلي، تبرز بعض السلوكيات والممارسات التي تطرح أكثر من علامة استفهام حول الكيفية التي يُعامل بها بعض عناصر هذا الجهاز، خاصة في حالات التحقيق أو التوقيف الاحتياطي.
القضية المعروفة إعلامياً بـ”إسكوبار الصحراء” سلطت الضوء على جانب إنساني حساس داخل مؤسسة يُفترض أن تُبنى على روح الزمالة والاحترام المتبادل. فبعد الإفراج المؤقت عن دركيين اثنين، تبيّن أن هذا الإفراج تم في صمت، دون أي إشعار مسبق لعائلاتهم، ودون أي شكل من أشكال الاستقبال أو التضامن الرمزي، الذي يعكس – ولو معنوياً – سنوات الخدمة الطويلة لهؤلاء، والتي تجاوزت العشرين عاماً في بعض الحالات.
الأدهى من ذلك، أن المعنيين تم توقيفهم نهائياً عن العمل، رغم أن الأمر لا يزال في طور التحقيق، ولم تثبت في حقهم أية إدانة إلى حدود الساعة. كما تم توقيف أجورهم، في خطوة مثيرة للاستغراب، تُشبه إلى حد كبير حُكماً بالإدانة المسبقة، بما تحمله من آثار نفسية ومادية على أسرهم.
إن احترام مبدأ قرينة البراءة لا يجب أن يبقى مجرد شعار يُرفع في الخطب الرسمية، بل ممارسة فعلية تبدأ أولاً من داخل المؤسسات الأمنية نفسها. فكيف يُعقل أن يُعامل دركي قضى حياته في خدمة الوطن، وعرّض نفسه يومياً لمخاطر الميدان، بهذه القسوة والبرود الإداري، فقط لمجرد خضوعه لتحقيق أولي؟ بل أين هي ثقافة التضامن المهني، والاعتراف بالسنوات الطويلة من التفاني والالتزام؟
ما حدث لهؤلاء الدركيين يجب أن يُطرح للنقاش، ليس فقط لمعالجة وضعيتهم الفردية، بل لإعادة النظر في طريقة التعاطي المؤسسي مع المنتسبين الذين يمرّون بظروف استثنائية، حتى لا يشعر أي عنصر أمني بأنه مجرد رقم قابل للتوقيف أو التهميش أو النسيان، بمجرد أن تحوم حوله شبهة، ولو مؤقتة.
لقد آن الأوان لبناء ثقافة جديدة داخل المؤسسات الأمنية، ثقافة توازن بين صرامة القانون وإنصاف الإنسان، بين حماية النظام وصون الكرامة. فالمؤسسات القوية لا تُقاس فقط بقدرتها على ضبط النظام، بل أيضاً بقدرتها على حماية أبنائها، والوفاء لهم، والوقوف إلى جانبهم، حين يطرقون أبواب المحنة.
