ليس كلُّ جهادٍ رصاصةً، ولا كلُّ نصرٍ يُقاس بعدد القتلى. أحيانًا يكون أعظم أشكال المقاومة تلك التي تُمارس في صمت، من قاعة جامعية، أو من منصة بحثية، أو من توقيع جماعي على بيان.
قرار الجمعية الدولية لعلم الاجتماع (ISA) بتعليق عضوية الجمعية الإسرائيلية لم يكن قرارًا إداريًا عابرًا. كان في جوهره موقفًا أخلاقيًا، وصورة من صور الجهاد الحديث، الجهاد بالكلمة، بالموقف، بالمعرفة، وبالعدالة.
هذا القرار لم يكن ليصدر لولا ضغوط قادها أكاديميون من مختلف أنحاء العالم، ومنهم أصوات مغربية حرة اختارت الانحياز للحق ضد جرائم الاحتلال. من هؤلاء، برز اسم الدكتور عصام الرجواني، أستاذ علم الاجتماع بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، الذي قالها بصراحة: “لا يمكن للأكاديمي أن يشارك في تبييض الجرائم الصهيونية”.
كما كان للجمعية المغربية لعلم الاجتماع موقف واضح وحاسم، حين أعلنت رسميًا رفضها لأي مشاركة إسرائيلية في المنتدى العالمي المزمع عقده بالرباط. وكذلك فعلت حملة المقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (MACBI)، التي طالبت الجمعية الدولية بعدم التساهل مع محاولات التطبيع الأكاديمي، لأن “العلم لا يمكن أن يكون محايدًا أمام الإبادة”.
كل هؤلاء مارسوا نوعًا من الجهاد لا يقل شرفًا عن غيره. جهاد لا يحمل بندقية، لكنه يزعج العدو، لأنه يحرمه من سلاح أخطر: الشرعية. فهم لم يطلقوا النار، بل أطلقوا الحقيقة. لم يرفعوا شعارات، بل رايات الضمير.
لسنا مضطرين لحمل السلاح كي نكون في خندق المقاومة. أحيانًا يكون القلم جبهة، والبيان قنبلة، والموقف رصاصة لا تُخطئ. ومتى استيقظ ضمير العالم الأكاديمي، اهتزّت أسس الاحتلال، لأن ما يريده هذا الكيان أكثر من الأرض هو القبول، الاعتراف، “أن نعامله ككيان طبيعي”… وهذا بالضبط ما رفضه الاكاديميون بشجاعة و وضحوح.
فلنعلّم أبناءنا أن الجهاد الحقيقي قد يكون في صدق الموقف، في ثبات القيم، في قول “لا” في زمن كلّه “نعم”.
ولنعلّمهم أن النضال قد يُمارس في المعمل، أو في قاعة الدرس، أو خلف الميكروفون… بشرط أن يكون منحازًا للحق، للحرية، وللكرامة.