ياسين برقاد
نعيش اليوم عصرا رقميا بامتياز، من أبرز مظاهره، انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت أمرا معتادا لدى رواد الشبكة العنكبوتية، حيث لا يمكن أن يمر يوم دون تصفح هذه المواقع، بوجودها تغيرت ملامح العالم وأصبح كقرية صغيرة تجمع مختلف الثقافات والأفكار حيث يمكن نشر ومشاركة الأحداث والآراء العالمية في لحظات. قد أصبحنا نتعرض للكثير من المعلومات في ثوان معدودة في مختلف المجالات : من فيديوهات، صور، قصص، أحداث محلية، أخبار دولية، إحصائيات، أفكار، مقالات … فالأرقام مرعبة حسب موقع DATAREPORTAL حيث تتحدث عن :
:FACEBOOK 18 مليون منشور في الساعة و9 ملايين صورة.
:INSTAGRAM 95 مليون منشور بشكل يومي.
:YOUTUBE يتم تحميل 500 ساعة من الفيديوهات كل دقيقة.
لهذا نتعرض اليوم لمعلومات لا تنتهي في حياتنا اليومية، حيث أدى هذا التدفق الكبير للمعلومات إلى صعوبات ومشاكل قد لا نلقي لها بالا، مما يؤثر سلبا على الصحة النفسية للمستخدم ومردوديته على مختلف جوانب الحياة.
لا شك أن الاعتناء بالصحة الجسدية أمر مرغوب فيه لحياة أكثر توازنا ونشاطا ، لذا نهتم بالغذاء المتوازن ليزودنا بالطاقة والعناصر اللازمة للحفاظ على مناعة قوية، كما أن أي خلل في التغذية يؤدي إلى عواقب قد لا نتمنى السقوط فيها لاحقا، ومن أبرز العادات السيئة التي تدمر الجسم حين لا نلتزم بنظامنا الغذائي هي التخمة، حيث تعتبر نتيجة لتناول الطعام بكميات زائدة وكبيرة يصعب على الجسم معالجتها.
والعقل يحتاج أيضا غذاء ليؤدي وظيفته بشكل سليم وخالٍ من الشوائب والأخطاء، بالاهتمام بمدخلاته وتنقيح ما نتعرض إليه من معلومات بكميات كبيرة وبيانات هائلة.
تم صياغة مصطلح جديد على هذه الحالة من طرف عالم اجتماع أمريكي بيرترام غروس BERTRAM GROSS حيث سماها “التُّخمة المعلوماتية ” بتنبؤه لفوضى المعلومات والتدفق الهائل للبيانات بعد هذا الانتشار السريع للأنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
تحدّث بعدها بالتفصيل الكاتب الأمريكي “ألفين توفلرalvin toffler” في كتابه “صدمة المستقبل” نظرا لتزايد تدفق المعلومات في العصر الرقمي حيث اعتبرها جزءا من صدمات المستقبل التي تواجه الأفراد بسبب التسارع الهائل في التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية.
ويشير مصطلح “التخمة المعلوماتية” إلى حالة من الإرهاق العقلي والتشتت وفقدان التركيز، تحدث عندما يتعرض الفرد لكمّ هائل من المعلومات دون تنظيم في ظرف قصير، كما أن انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام زادت الأمور حدة حيث بات من السهل أن نتعرض لمعلومات لا تنتهي تكون في الغالب غير مهمة وغير مهتم بها في حياته اليومية فتؤدي به إلى صعوبة في التركيز والشعور بالتشتت وضعف الذاكرة وعدم القدرة على اتخاذ قرارات واضحة.
تُحدث التخمة المعلوماتية تأثيرات سلبية قد تؤثر على جودة حياة الفرد فتسبب آثارا نفسية، عقلية، اجتماعية وعملية :
الإجهاد العقلي : حيث تؤدي كمية المعلومات الكثيرة الى صعوبة في معالجة الأفكار وبالتالي الإرهاق والتعب الذهني مما يعيق قدرة الدماغ على تخزين المعلومات.
ضعف التركيز والانتباه : التنبيهات المستمرة وتعدد مصادر المعلومات وكثرة المنشورات في مختلف المجالات مما يؤدي الى ازدحام معرفي حيث تفشل المعلومات الجديدة للوصول الى الذاكرة طويلة المدى.
التوتر والقلق: يخلق هذا الشعور بعد المتابعة المستمرة لكل ما هو جديد فيولد شعور بالقلق والخوف من فقدان المعلومات وعدم اللحاق بكل ما ينشر من أخبار وآراء وقصص… الخ
الإحباط وفقدان الثقة بالنفس : التعرض المستمر للمعلومات السلبية والمضللة يزيد من مشاعر الإحباط، كما يشعر الأفراد بالعجز عن فهم واستيعاب ما يتم نشره وما يواجهونه من معلومات، ما يؤدي إلى شك في المهارات والقدرات العقلية، مما ينتج ضعف الثقة بالنفس.
صعوبة اتخاذ القرارات الصائبة : كثرة المعلومات وتراكمها يزيد من الارتباك والتردد بسبب صعوبة تمييز المعلومات المهمة من غيرها، مما يسبب بطئا وتأخرا في اتخاذ القرار الصحيح أو أخذ قرارات غير مدروسة.
وللتغلب على التخمة المعلوماتية، هنالك طرق وعادات فعالة تلتزم بها بشكل دوري ومستمر تُجنبك الإصابة بأعراضها وتأثيراتها، فنحن لسنا بمنأى عن تداعياتها، فنحن نعيش في العصر الرقمي حيث يمتاز بوفرة المعلومات والبيانات الضخمة :
تنظيم الوقت : بتحديد أوقات معينة لاستخدام مختلف وسائل التواصل وإيقاف الإشعارات والتنبيهات غير الضرورية لتجنب التشتت، مما يساعدك على تحسين التركيز والإنتاجية في يومك.
تحديد الأولويات : التركيز على المعلومات المهمة التي تحتاجها في مجال عملك أو دراستك أو حياتك اليومية، وتجاهل كل معلومة لا تستفيد منها ولا تفيدك.
التوقف عن متابعة كل شيء : بالتقليل من متابعة المعلومات السطحية وغير المهمة الموجودة في مختلف وسائل التواصل والاتصال.
التوقف عن السعي نحو الكمال المعرفي : متابعة أي شيء لن يجعلك ملمّ بكل شيء، يستحيل على العقل البشري أن يحيط بكل العلوم، لذا ركز على ما يعطيك قيمة إضافية في حياتك.
التفكير النقدي :
التسلح بمهارات التفكير النقدي من متطلبات العصر نظرا لكمية المعلومات المغلوطة التي تروج بمواقع التواصل الاجتماعي، لذا يجب تطوير هذه الأخيرة لمعرفة المعلومة الصحيحة اعتمادا على مصدرها.
لقد أحدثت التكنولوجيا تحولا إيجابيا كبيرا في مختلف جوانب حياتنا اليومية، حيث أصبحنا نعيش في عالم رقمي متصل بشكل دائم، لكن بوجودها أيضا ظهرت العديد من الأعراض والآثار السلبية على الإنسان الرقمي، لذا للاستفادة من إيجابياتها العديدة يجب التحلي بالوعي لترشيد استخدامها لترك بصمة إيجابية على حياتنا، بدلا من أن تترك آثارا مضرة بصحتنا وجودة حياتنا فتتحول إلى مصدر للضغط والتشتت.