مع اقتراب موعد استضافة المغرب لكأس العالم 2030 بالاشتراك مع إسبانيا والبرتغال، تتصاعد التساؤلات حول مستقبل الملاعب والبنيات التحتية الضخمة التي سيتم تشييدها أو تأهيلها. وفي هذا السياق، سلّط تقرير حديث صادر عن مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي الضوء على تحديات استدامة هذه المنشآت، داعيًا إلى بلورة خطة شاملة لتجنب مصير “الأفيال البيضاء” التي شهدتها تجارب دولية سابقة كالبرازيل وجنوب إفريقيا، حيث تحولت بعض الملاعب إلى مرافق مهجورة تُكبد الدول نفقات صيانة باهظة دون تحقيق عوائد ملموسة.

وأكد التقرير على ضرورة تبني مجموعة من المقترحات العملية المتكاملة، المستوحاة من تجارب دولية ناجحة، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات السياق الوطني. وتتمحور هذه المقترحات حول خمسة محاور رئيسية تهدف إلى ضمان الاستغلال الأمثل للملاعب وتحويلها إلى مراكز حيوية تساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

إحداث شركات جهوية لتدبير الملاعب الكبرى: أوصى التقرير بإنشاء شركات جهوية متخصصة لتدبير الملاعب الكبرى، تكون شراكة بين الدولة، الجماعات الترابية، والقطاع الخاص. هذه الشركات ستعمل وفق دفاتر تحملات دقيقة وتُمنح صلاحيات كاملة لتأجير الملاعب، استقطاب التظاهرات، تسويق الفضاءات التجارية، وتدبير الموارد البشرية. الهدف من ذلك هو تحقيق فعالية عالية في التسيير وتجاوز البيروقراطية التي غالبًا ما تعيق استغلال هذه المنشآت.

اعتماد نموذج “الملعب المتعدد الوظائف”: دعا التقرير إلى تجاوز المفهوم التقليدي للملعب كمجرد فضاء لمباريات كرة القدم. واقترح اعتماد نموذج “الملعب المتعدد الوظائف”، بحيث تُفتح هذه المنشآت لتنظيم مجموعة واسعة من الفعاليات كالحفلات الموسيقية، المهرجانات الثقافية، المعارض الاقتصادية، المؤتمرات الدولية، والأنشطة الترفيهية المستمرة. هذا التنوع في الاستخدام سيضمن تحقيق مداخيل على مدار السنة، ويخلق روافد اقتصادية جديدة مرتبطة بالخدمات المحيطة مثل النقل، المطاعم، التجارة، والسياحة.

تأهيل الفرق الوطنية ذات الجاذبية الجماهيرية: من المقترحات الهامة أيضًا تأهيل الفرق الوطنية ذات القاعدة الجماهيرية الكبيرة، من خلال دعم بنيتها التسييرية والمالية، وضمان استقرارها في الملاعب المونديالية الجديدة أو المؤهلة. وأشار التقرير إلى أن حضور فرق مثل الرجاء، الوداد، الجيش الملكي، المغرب الفاسي، واتحاد طنجة، بانتظام في هذه الملاعب سيضمن تدفقًا جماهيريًا متواصلاً، ويخلق دينامية اقتصادية مستمرة.

الاستثمار في الخدمات المرافقة للملاعب: شدد التقرير على أهمية الاستثمار في الخدمات المرافقة للملاعب، مثل المقاهي، المتاجر، المتاحف الرياضية، والمرافق السياحية. ولتحقيق ذلك، دعا إلى تسهيل المساطر أمام الخواص، وتقديم تحفيزات جبائية، وتشجيع المقاولات الصغيرة والمتوسطة المحلية على الاستفادة من الفرص الاقتصادية المحيطة بالملاعب، مما سيساهم في خلق مناصب شغل وتوسيع قاعدة الاستفادة الاقتصادية من هذه المنشآت.

اعتماد خطة تسويق رقمية متكاملة: أوصى التقرير بضرورة اعتماد خطة تسويق رقمية متكاملة تشمل إنشاء منصات إلكترونية خاصة بكل ملعب، تُمكن من الحجز المسبق للتذاكر، وتأجير الفضاءات، وتتبع الفعاليات. كما دعا إلى الاستثمار في الإعلام الرقمي والترويج الدولي لهذه المنشآت، لجعلها حاضرة في أجندة الشركات ومنظمي الفعاليات، وتسهيل عملية إشراك الجمهور والمستثمرين في تتبع أنشطة الملاعب ومردوديتها.

أدوار الفاعلين المعنيين: أكد التقرير أن تفعيل هذا الورش يتطلب تعبئة ذكية ومتناسقة لمختلف الفاعلين المعنيين، وفق منطق التشارك والنجاعة والشفافية. ودعا الوزارات والمؤسسات العمومية، وعلى رأسها وزارة الشباب والثقافة والتواصل ووزارة الاقتصاد والمالية، إلى وضع الإطار القانوني والتنظيمي المناسب لتدبير الملاعب بنموذج جديد، وتوفير التمويل الأولي للبنيات الأساسية، وضمان تكامل السياسات العمومية ذات الصلة.

كما طالب النوادي الكبرى بالاستقرار في هذه الملاعب واعتمادها كمراكز رسمية لها، مما يضمن برمجة رياضية دورية تُنشط هذه المنشآت وتخلق حركة اقتصادية واجتماعية حولها. وأخيرًا، شدد على دور المجتمع المدني في تنظيم أنشطة دورية داخل الملاعب، كالمعارض، والحملات التوعوية، والدوريات المدرسية، والأنشطة الشبابية، مما يمنح الملاعب وظيفة اجتماعية موازية لوظيفتها الاقتصادية، ويرسخ صورتها كمجال مشترك ومفتوح أمام جميع فئات المجتمع.