الاخبار تعليم

ابن جرير تتحول إلى مدينة المعرفة والذكاء… لكن بأي ثمن؟

The short URL of the present article is: https://gmedianews.ma/xwsk

وسط سهل الرحامنة، تبرز مدينة ابن جرير كعنوان طموح لمغرب يسعى إلى بناء اقتصاد معرفي وتكنولوجي حديث، متحرر من التبعية لموارد الطبيعة. مشاريع ضخمة تشهدها المدينة يومًا بعد يوم، في مقدمتها مركز البيانات العملاق، وأقوى حاسوب في إفريقيا “توبقال”، والمدرسة الأمريكية، إلى جانب توسعة جامعة محمد السادس متعددة التخصصات، وإطلاق مدينة صحية رقمية… كلها مؤشرات تدفع لوصف ابن جرير اليوم بـ”مدينة المعرفة”.

الرهان واضح: تحويل المدينة إلى قطب علمي وابتكاري رائد في إفريقيا، يحتضن أكثر من 10 آلاف طالب وأستاذ وباحث، وينبني على فلسفة المدن الذكية الخضراء، التي تدمج التكنولوجيا، الابتكار، والبيئة في نسيج عمراني عصري ومندمج.

لكن، خلف هذه الصورة اللامعة، تُطرح تساؤلات حارقة حول أولويات الاستثمار في واحدة من أفقر مناطق المغرب، والتي تعاني من تفاوت مجالي صارخ رغم احتضانها أكبر احتياطي عالمي للفوسفاط.

استثمار الثروة… ولكن لمن؟
في الوقت الذي يعاني فيه سكان الرحامنة من هشاشة بنيوية، وتردٍّ في الخدمات الصحية والتعليمية، يوجّه المكتب الشريف للفوسفاط (OCP) استثمارات ضخمة إلى مشاريع التميز والنخبوية. مؤسسات تُوفَّر لها منحًا دراسية وسكنًا راقيًا من فئة خمس نجوم، ويتم استقطاب النخبة من تلاميذ المغرب، بعيدًا عن أبنائها الأصليين، في غياب مشروع تربوي مندمج ينطلق من حاجيات الإقليم.

وتعتمد هذه المؤسسات على أساتذة مبرزين مغاربة وأجانب برواتب خيالية، مما يثير تساؤلات حول جدوى استنزاف الكفاءات الوطنية بدل توطين التميز بالتدرج، وتأهيل المنظومة التربوية المحلية للوصول إلى نفس النتائج.

البحث العلمي… الغائب الأكبر


في منطقة تعد من أكثر المناطق عرضة لتأثيرات الاستعمال المكثف للمواد الكيميائية والأسمدة، يغيب الاهتمام بالبحث العلمي حول الأثر البيئي والصحي للفوسفاط. فلا مراكز بحثية اجتماعية، ولا دراسات ميدانية ترصد التحولات البيئية أو الأمراض المهنية الناتجة عن الأنشطة الصناعية.

المفارقة أن الثروة تُوجَّه لتغذية طموحات دولية كبرى، بينما تُهمل الحاجيات الأساسية للساكنة المحلية في الصحة، التعليم، والبنية التحتية، وهو ما يجعل من مشروع “مدينة المعرفة” حلمًا جميلاً قد يتحول إلى جزيرة معزولة في محيط من الفقر والتهميش.

هل يمكن تصحيح المسار؟


قد لا يكون الخطأ في الرؤية، بل في طريقة التنزيل. فمن الممكن أن تتحول ابن جرير إلى منصة علمية دولية، لكن بشروط:

ربط الجامعة بالتراب، وفتح أبوابها أمام أبناء الإقليم.

توجيه جزء من الميزانيات نحو التعليم الأساسي والتكوين المهني المحلي.

إنشاء مدارس هندسة ومعاهد وطنية قوية تستوعب الطاقات المغربية وتوفر بديلاً للهجرة التعليمية.

دعم البحث العلمي في المجالات ذات الوقع الاجتماعي والبيئي المباشر.

باختصار، مستقبل الرحامنة لا يجب أن يُبنى فقط على “حاسوب خارق” أو “مركز بيانات ضخم”، بل على عدالة مجالية ومعرفية تجعل من كل فرد في الإقليم شريكًا في التنمية، لا مجرد متفرج على ثروته وهي تُستثمر بعيدًا عنه.

The short URL of the present article is: https://gmedianews.ma/xwsk

Kaza Aziz

About Author

صحفي مهني مستشار تربوي باحث في سوسيولوجيا التنمية المحلية وسيط اجتماعي مكون في تقنيات التدبير والتسيير المقاولاتي

اترك تعليقاً

اشترك معنا

    ننطلق من إيمان عميق بأن البيئة ليست مجرد إطار خارجي لحياتنا، بل هي امتداد لصحتنا النفسية والجسدية،

    جريدة إلكترونية مغربية شاملة، متخصصة في قضايا الفلاحة، التنمية القروية، البيئة… وكل ما يربط الإنسان بالأرض والطبيعة من حوله.

    Gmedianews @2023. All Rights Reserved.