الاخبار كلمة الرأي مجتمع

إصلاح على ظهور المنهكين… حين يُقتل الأستاذ باسم “التحديث”

The short URL of the present article is: https://gmedianews.ma/koy6

يُقال إن التعليم هو قاطرة التنمية، وإن الأستاذ هو عماده. ويُقال إن هناك إصلاحاً جديداً كل بضع سنوات. تُعلن المخططات الاستراتيجية، وتُضخ الملايير، وتُعد البرامج، في محاولة لإعادة الثقة للمدرسة المغربية. لكن الحقيقة التي لا تُقال، هي أن هذا الإصلاح – في كثير من الأحيان – يُنفذ على ظهور المنهكين، وعلى حساب من يُفترض أنهم عماد التغيير.

ففي الوقت الذي تُعلّق فيه الدولة آمالاً على إعادة هيكلة المنظومة، يتم تحميل الأستاذ فوق طاقته: تكليفات عشوائية، تنقلات مرهقة، إجراءات إدارية صادمة، لا تراعي لا البعد الجغرافي، ولا الوضع النفسي، ولا حتى كرامة الشخص. يُطلب من الأستاذ أن يواكب، أن يُبدع، أن ينخرط، أن يرقص مع التغيير، لكنه يُعاقب إن تردد، ويُقصى إن اشتكى، ويُنسى إن انهار.

قصة معاذ، الشاب الذي عُين في ثلاث مؤسسات بثلاث جماعات متباعدة، دون أدنى مراعاة لإنهاكه، دون استماع، دون إنذار… تختصر كل شيء. أُجبر على توقيع محضر خروج كإجراء إداري مؤقت، لكنه كان بمثابة حكم إعدام نفسي. تم توقيفه قبل أن يُمنح حقه في أن يُشرح ما يحدث له. ولأننا لا نستمع في هذا البلد إلا بعد الفاجعة، كانت النهاية مأساوية: معاذ وجد نفسه موقوفاً، مداناً، مهمشاً… فوضع حداً لحياته بصمت.

لكن معاذ لم يكن الأول. قبله، في فاس، حاول أستاذ أربعيني الانتحار بعد توقيفه المفاجئ، مصحوباً بإشاعات وانتقاص من هيبته. وقبلها، في آسفي، تم تجميد الوضع الإداري لأستاذة شهوراً، لمجرد مطالبتها بحقها في الانتقال لأسباب صحية ونفسية. في كل مرة، يختار “الإصلاح” أن يكون صارماً أكثر من أن يكون عادلاً، وأن يُقصي قبل أن يُصغي.

ليست هذه الحكايات سوى أعراض لمرض أعمق: منظومة إصلاح تتعامل مع الأستاذ كرقم، لا كإنسان. منظومة لا ترى في الإرهاق النفسي سببًا كافيًا لإعادة النظر، بل ترى في التمرد على الأوامر ضعفاً، وفي المطالبة بالحق خروجاً عن السطر.

كيف يُفترض أن يُصلح التعليم من لا يشعر بالأمان داخل المؤسسة؟ كيف يُطلب من الأستاذ أن يُلهم التلاميذ، وهو نفسه لا يجد من يُلهمه، من يسانده، من يستمع إليه دون تهديد؟ كيف نضع على عاتقه مسؤولية “المواكبة التربوية”، ونمنع عنه أبسط حقوقه في المواكبة النفسية والإنسانية؟

الإصلاح الحقيقي لا يبدأ بالمخططات ولا بالميزانيات، بل يبدأ حين نستمع للأستاذ قبل أن نحاسبه. حين نراه إنساناً لا موظفاً فقط. حين نعتبر كرامته أول خطوة نحو تغيير حقيقي.

إلى أن يحدث ذلك… سيبقى كل إصلاح ناقصاً، وسيبقى كل مخطط تنمية تعليمية مُشوهاً.
وسيبقى الأساتذة وحدهم… يدفعون ثمن حلم لم يُشركهم أحد في صناعته.

سلام على روح معاذ، وعلى كل أستاذ اختنق في صمت.
وسحقاً لإصلاحٍ لا يُنصف من يُفترض أنه نواته

The short URL of the present article is: https://gmedianews.ma/koy6

إيمان بوحزامة

About Author

اترك تعليقاً

اشترك معنا

    ننطلق من إيمان عميق بأن البيئة ليست مجرد إطار خارجي لحياتنا، بل هي امتداد لصحتنا النفسية والجسدية،

    جريدة إلكترونية مغربية شاملة، متخصصة في قضايا الفلاحة، التنمية القروية، البيئة… وكل ما يربط الإنسان بالأرض والطبيعة من حوله.

    Gmedianews @2023. All Rights Reserved.