في الوقت الذي يعيش فيه قطاع غزة أسوأ مراحله الإنسانية منذ عقود، وتخنقه حرب وحصار دخل يومها الـ662، لا تزال مشاهد الإسقاط الجوي للمساعدات تتصدر العناوين كرمز لما يُفترض أنه “تضامن دولي”. غير أن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) خرجت عن هذا الإجماع المصطنع، لتُسجل موقفًا واضحًا: ما يجري لا يرقى إلى مستوى التدخل الإنساني الحقيقي، بل هو خطوة رمزية لا تُسمن ولا تُغني من جوع.
أونروا، التي تعد من أبرز الفاعلين الإنسانيين في القطاع، انتقدت بشدة عمليات الإسقاط الجوي، ووصفتها بأنها لا تُحدث أي تأثير ملموس على الأرض، مشيرة إلى أن هذه الآلية “تُحدث ضجة إعلامية فقط”، دون أن تنعكس بشكل فعلي على واقع السكان الذين يواجهون مجاعة متصاعدة وانهيارًا في البنى التحتية الصحية والغذائية.
وفي ظل غياب ممرات إنسانية آمنة ورفض سلطات الاحتلال السماح بمرور المساعدات البرية بشكل منتظم وكافٍ، تبدو عمليات الإسقاط الجوي أقرب إلى محاولات لتبييض صورة بعض الحكومات، لا أكثر. فالمساعدات التي تصل بهذه الطريقة لا تغطي سوى جزء ضئيل من الحاجيات الأساسية، وغالبًا ما تسقط في مناطق يصعب الوصول إليها أو تخضع لسيطرة قوات الاحتلال، مما يُفرغها من أي محتوى إنساني حقيقي.
المشهد يزداد قتامة مع دخول القطاع في المرحلة الثالثة من المجاعة، بحسب ما أعلنه مدير مجمع الشفاء الطبي، فضلًا عن تأكيد “برنامج الأغذية العالمي” أن غزة تجاوزت بالفعل اثنين من أصل ثلاثة مؤشرات تُعرّف المجاعة بحسب المعايير الدولية. ورغم هذه التحذيرات الصريحة، تستمر بعض الدول في التعامل مع الأزمة من خلال مبادرات سطحية لا تمس جوهر الكارثة.
ما بين صور المظلات الهابطة على شواطئ غزة، وواقع الأطفال الذين يلفظون أنفاسهم جوعًا، يبرز التناقض الصارخ بين الصورة والرؤية، بين ما يُعرض في الإعلام، وما يعانيه الإنسان الفلسطيني المحاصر.
لقد آن الأوان، كما تقول أونروا، ليتحوّل التضامن من رمزية استعراضية إلى تدخل حقيقي وشامل، يمرّ عبر فتح المعابر، وضمان تدفق المساعدات الكافية والآمنة، واستعادة الكرامة الإنسانية المهدورة تحت ركام الحصار والحرب.