رغم بلوغ نسبة التغطية الكهربائية عالميًا إلى 92 في المائة من السكان، إلا أن أكثر من 666 مليون شخص ما زالوا يعيشون في الظلام دون أي وصول إلى شبكة الكهرباء. هذا الرقم الكبير يثير القلق، خاصة مع اقتراب عام 2030، الذي يُفترض أن يكون العام الذي يتحقق فيه أحد أبرز أهداف التنمية المستدامة، والمتمثل في الوصول الشامل والعادل إلى الطاقة للجميع دون استثناء.
القارة الإفريقية، وتحديدًا دول إفريقيا جنوب الصحراء، تحتل النصيب الأكبر من هذه الفجوة، حيث تشير الأرقام إلى أن 85 في المائة من السكان الذين لا يحصلون على الكهرباء يعيشون في هذه المنطقة وحدها. لا يقتصر الأمر على حرمان من الإنارة أو شحن الأجهزة، بل يمتد إلى حرمان عميق من أبسط أساسيات الحياة، كالتعليم، والرعاية الصحية، وفرص العمل، والحماية من الفقر متعدد الأبعاد. كما أن أزمة الطاقة لا تقف عند الكهرباء فقط، بل تشمل حرمان أكثر من 1.5 مليار شخص من وسائل الطهي النظيفة، مما يدفع أكثر من ملياري إنسان إلى الاعتماد على مصادر ضارة مثل الحطب والفحم، وهو ما يساهم في ارتفاع معدلات التلوث الداخلي والأمراض المزمنة، خاصة لدى النساء والأطفال.
ورغم الجهود الدولية، فإن وتيرة التقدم في هذا المجال ما تزال بطيئة، ويعود ذلك بالأساس إلى النقص الحاد في التمويل الكافي والميسر. ورغم الإعلان عن زيادة في التدفقات المالية العامة الموجهة لدعم الطاقة في بعض الدول النامية بعد عام 2022، فإن الأرقام تظهر تراجعًا مقلقًا في التمويلات التي حصلت عليها هذه الدول في عام 2023 مقارنة بعام 2016، ما يضعف من قدرة المشاريع على التوسع والوصول إلى المناطق الأشد حاجة.
ويؤكد خبراء الطاقة أن هذا التراجع المالي يهدد التقدم المسجل، ويستدعي تفعيل آليات تعاون جديدة بين الحكومات والمؤسسات الدولية والقطاع الخاص، من أجل تأمين التمويل اللازم، وتسريع الاعتماد على الحلول المبتكرة، مثل الطاقة الشمسية خارج الشبكة، التي أثبتت نجاعتها في بعض المناطق النائية.
فالمسألة لا تتعلق فقط بالبنية التحتية، بل بكرامة الإنسان وحقه في حياة لائقة. الكهرباء ليست رفاهية، بل شرط أساسي للعيش الكريم، وتمكين الأفراد من التعليم والعمل والحصول على خدمات صحية جيدة. في زمن الرقمنة والتقدم التكنولوجي، لا يمكن القبول بأن يظل أكثر من نصف مليار إنسان في عزلة عن الضوء وعن الإمكانيات.
ومع اقتراب عام 2030، لم يعد هناك متسع من الوقت. التحدي لم يعد تقنيًا أو معرفيًا، بل في توافر الإرادة السياسية وحشد الموارد اللازمة. العالم أمام اختبار حقيقي: هل نحن مستعدون فعلاً لأن نفي بوعودنا، أم أن الفقراء سيُتركون مجددًا في الظلام؟ الإجابة ستُكتب في الواقع، لا في البيانات.