في الأشهر الأخيرة، تصاعدت حدة الشكاوى من اختفاء عدد كبير من الأدوية الحيوية والأساسية في الصيدليات المغربية، مما تسبب في موجة من الغضب لدى المواطنين، وأثار قلق المهنيين والحقوقيين حول هشاشة المنظومة الدوائية الوطنية. وتزايدت التحذيرات من أن هذا الانقطاع المتكرر يشكل خطرًا مباشرًا على الأمن الصحي، خصوصًا بالنسبة للمرضى المصابين بأمراض مزمنة مثل السرطان، والسكري، والقلب، وأمراض الجهاز العصبي.
أكّد حسن عاطش، رئيس الغرفة النقابية لصيادلة فاس، أن سوق الأدوية بالمغرب يعيش أزمة غير مسبوقة، حيث تم تسجيل اختفاء أكثر من 600 نوع من الأدوية الأساسية والحيوية من رفوف الصيدليات. تشمل هذه الأدوية مضادات حيوية، وعلاجات هرمونية، وأدوية خاصة بالأمراض المزمنة، وخصوصًا تلك الموجهة للأطفال وكبار السن. أوضح عاطش أن هذه الأزمة لم تعد مجرد استثناء عرضي، بل تحوّلت إلى ظاهرة يومية، تكشف عن خلل كبير في تدبير القطاع، وغياب التخطيط الاستباقي من طرف الجهات الوصية، وعلى رأسها وزارة الصحة.
يرى المهنيون أن السبب الأساسي لهذه الأزمة هو غياب الرؤية الاستباقية لدى وزارة الصحة، وعدم التوفر على سياسة واضحة تضمن الأمن الدوائي. فالقانون ينص على ضرورة وجود مخزون استراتيجي يغطي الحاجيات لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، إلا أن هذا الإجراء لم يُفعل بالشكل المطلوب. كما أشار المهنيون إلى غياب رقابة فعالة على سلاسل التوزيع، واحتكار بعض المختبرات والصيدليات الكبرى لكميات من الأدوية، ما يخل بمبدأ العدالة في التوزيع ويؤثر سلبًا على الصيدليات الصغيرة والمتوسطة.
أبرز عاطش أن بعض المصحات الخاصة والصيدليات تستفيد من اتفاقات ضمنية مع شركات توزيع الأدوية الكبرى، ما يجعلها تحصل على كميات كبيرة من الأدوية، بينما تعاني صيدليات أخرى من العجز التام. هذا التوزيع غير المتوازن يتعارض مع قانون 17.04 ويضرب في العمق مبادئ المنافسة الشريفة. كما أشار إلى أن غياب الشفافية في توزيع الأدوية، وخصوصًا تلك الموجهة للمصحات، ساهم في تفاقم الأزمة. فبعض المؤسسات تستفيد من تحفيزات مبالغ فيها تجعلها قادرة على اقتناء الأدوية بكميات ضخمة، على حساب باقي الصيدليات.
اعتبر الصيادلة أن الأسعار الحالية لعدد من الأدوية، خصوصًا تلك المصنفة ضمن فئتي T3 وT4، لم تعد تضمن استدامة النشاط الصيدلي. فهامش الربح المحدود لا يغطي تكاليف النقل والتخزين والخدمة، مما دفع عددًا من الصيدليات إلى التوقف عن بيع بعض الأنواع من الأدوية. كما طالب المهنيون بمراجعة التسعيرة بشكل عاجل، لتشجيع الصيدليات على توفير الأدوية وضمان استمرارية الخدمة، دون أن يتحمل المريض كلفة إضافية.
في ظل غياب بعض الأدوية الأصلية، يقترح الصيادلة اللجوء إلى الأدوية الجنيسة كحل بديل. وأوضح عاطش أن القوانين الحالية لا تمنع الصيدلي من استبدال الدواء، ما لم ينص الطبيب صراحة على منعه، وهو ما يجعل اعتماد التسمية العلمية بدلاً من التجارية ضرورة ملحة لضمان ولوج المواطنين للعلاج. كما دعا إلى تعديل بعض الفصول القانونية، مثل الفصلين 19 و27 من قانون واجبات الصيادلة، بما يتماشى مع متطلبات المرحلة ويسمح بمزيد من المرونة في التعامل مع الأزمة.
من جهة أخرى، عبّر بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، عن استيائه الشديد من استمرار أزمة الأدوية، والتي وصفها بـ”الكارثة الصحية الصامتة”. وأكد أن الوضع أصبح مقلقًا إلى درجة أن المواطن بات يبحث عن الدواء كما يبحث عن الجوهرة المفقودة، متنقلاً بين الصيدليات دون جدوى. أشار الخراطي إلى أن استمرار هذا الوضع قد يدفع المرضى إلى اللجوء إلى بدائل خطيرة، مثل اقتناء الأدوية من السوق السوداء أو الخضوع لممارسات غير قانونية لدى المشعوذين والسماسرة.
كما أكد على ضرورة اعتماد لائحة وطنية محينة بالأدوية المفقودة، ونشرها بشكل دوري، مع تحديد الجهات المسؤولة عن إنتاجها أو استيرادها، لتفادي أي تضارب أو تلاعب في المعطيات.
في ظل هذا الوضع المتأزم، دعت الفعاليات المهنية والحقوقية إلى صياغة سياسة دوائية وطنية واضحة المعالم، تشمل وضع مخزون استراتيجي دائم، وتفعيل آليات الرقابة، ومراجعة النظام التسعيري، وتشجيع الصناعة المحلية، واعتماد سياسة تحفيزية للأدوية الجنيسة. كما طالبت بضرورة إحداث هيئة وطنية لليقظة الدوائية تكون مستقلة عن وزارة الصحة، وتضم مهنيين وخبراء وصيادلة وممثلي المجتمع المدني.
إن استمرار غياب الأدوية الأساسية في المغرب لا يُهدد فقط حياة المرضى، بل ينسف أحد الحقوق الدستورية الأساسية وهو الحق في الصحة. وعليه، فإن التحرك العاجل والفعال لم يعد خيارًا، بل ضرورة لإنقاذ المنظومة الصحية، وضمان الأمن الدوائي في البلاد.
أزمة الأدوية في المغرب: واقع مرير يتطلب استجابة استراتيجية عاجلة
BY Gmedia news
- 03/07/2025

The short URL of the present article is: https://gmedianews.ma/7gu0
The short URL of the present article is: https://gmedianews.ma/7gu0