استفادت الزراعة المغربية من التساقطات المطرية الراهنة، التي وصلت في بعض المناطق إلى مستويات تفوق المتوسط السنوي بنسبة 20%, لتعزيز زراعة المحاصيل الربيعية مثل الحبوب والخضروات والفواكه. وفقًا لوزارة الفلاحة، فإن هذه التساقطات ساهمت في زيادة المساحات المزروعة بنسبة 15% مقارنة بالعام الماضي، مما يُبشر بموسم زراعي واعد يُعزز القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الأساسية.
وتشكل التساقطات المطرية الحالية عنصرًا حاسمًا في تحسين إنتاج المحاصيل الربيعية، خاصة في المناطق الداخلية التي تعاني من الجفاف المتكرر. ذكرت دراسة لمعهد الأبحاث الزراعية أن المناطق الوسطى مثل سوس ماسة والشرق سجلت تحسنًا في تربتها بسبب الأمطار، مما يحسن جودة المحاصيل بنسبة تصل إلى 25%.
كما أن التوزيع المكاني للتساقطات يُساعد على تنويع الزراعات حسب المناطق، حيث تزرع الحبوب في السهوب، والخضروات في المناطق الساحلية، والفواكه في المناطق الجبلية.
تُعد المنتجات الزراعية المغربية مثل الزيتون، والخضروات المجمدة، والفواكه المجففة من بين الأكثر طلبًا في الأسواق الأوروبية والإفريقية. وحسب بيانات غرف التجارة، فإن صادرات هذه المنتجات ارتفعت بنسبة 18% في 2023 لتصل إلى 12.5 مليار درهم، مع توقعات بزيادة 30% في 2024 بفضل التساقطات. كما أن التفاح المغربي، الذي يُنتج في المناطق الجبلية مثل الريف، أصبح يغزو الأسواق الأوروبية بفضل جودته العالية.
كما تعتمد استراتيجية الاكتفاء الذاتي على استغلال التنوع الجغرافي للمغرب. ففي المناطق الساحلية كالغرب والشمال، تُركز الزراعة على الخضروات المورقة (الخيار، الطماطم)، بينما تُنتج المناطق الداخلية الحبوب (القمح، الشعير)، أما المناطق الجبلية فتُخصص للأشجار المثمرة (الزيتون، الرمان). هذا التوزيع ساهم في رفع معدل الاكتفاء الذاتي من الحبوب إلى 85%، وفقًا لآخر تقرير للفيدرالية البيمهنية للحبوب.
ويرى الخبراء أن التقنيات الحديثة مثل الري الذكي وتحسين الأصناف الزراعية تُلعب دورًا مهما في زيادة الإنتاجية. فعلى سبيل المثال، تُستخدم أنظمة الري بالتنقيط في المناطق الجافة لخفض استهلاك المياه بنسبة 40%, مع زيادة إنتاجية الطماطم إلى 25 طنًا للهكتار. كما أن دعم الدولة للفلاحين عبر برامج الدعم (مثل “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”) ساهم في توسيع نطاق الزراعة العضوية، التي تُحقق أسعارًا مرتفعة في الأسواق العالمية.
ورغم التحسنات، لا تزال التحديات مثل التغيرات المناخية وتقلبات الأسواق العالمية تُشكل عقبات. يُحذر محمد الصديقي، خبير في الزراعة المستدامة، من أن “الاعتماد على الأمطار دون تطوير بنية تحتية لتخزين المياه قد يُضعف الإنتاج في سنوات الجفاف”. كما أن المنافسة مع دول مثل إسبانيا في إفريقيا قد تُقلص هامش الربح، مما يُبرز ضرورة تطوير سلاسل التوريد والتسويق.
و تُشير التوقعات إلى أن الاستمرار في استغلال التساقطات المطرية وتعزيز التقنيات الحديثة قد يُحقق الاكتفاء الذاتي الكامل من الحبوب بحلول 2027، مع زيادة الصادرات بنسبة 50% في السوق الأوروبية. كما أن التنوع الجغرافي يُفتح الباب لزراعة منتجات ذات قيمة مضافة عالية (كالزيتون العضوي والتوابل)، مما يُعزز مكانة المغرب كلاعب رئيسي في قطاع الزراعة العالمي.
إرسال تعليق
يجب عليك تسجيل الدخول لكي تتمكن من إضافة تعليق.